للوهلة الأولى يخيّل للمرء في ​لبنان​ أن كلّ المقالع والكسّارات هي مخالفة للقوانين، وأن أصحابها او القيّمين عليها هم "مجرمون" بحق البيئة. لكن الدخول في قطاع المقالع يؤكد أنّه عالم الخبايا، وأنّ هناك نوعين فيه: كسّارات مرخّصة بشكل قانوني كامل، وأخرى تعمل بتغطية سياسية وإلتفاف على القانون.

يوجد في لبنان ١٣٣٠ كسّارة، بعضها مرخصٌ قانونياً، وجزء منها خاضع لما يُعرف بالمهل الادارية الصادرة عن وزارات الصناعة او الداخلية والبلديات، أي انها تصبّ في خانة المحسوبيات او السمسرات عملياً. وإذا كانت ​وزارة البيئة​ الآن تسعى لتنفيذ "مشروع تعديل المخطّط التوجيهي للمقالع والكسّارات"، فإنّ أسئلة باتت تُطرح في كواليس العارفين بما يجري في مغاور هذا القطاع. يسأل هؤلاء عن الحاجة الى مخطّط جديد ينقل الكسّارات من مناطق متواجدة فيها اساساً الى مناطق أخرى لم تمسّها يد الإنسان قلعاً وتخريباً؟ تدور علامات الإستفهام حول الهدف الأساسي من تخريب اراضٍ جديدة سيضمّها المخطط الجديد الذي تطرحه وزارة البيئة في جدول رقم 5 من المشروع، وهي في مناطق:

1-البقاع-السلسلة الغربية-بعلبك: بوداي، مزرعة بيت مشيك، حدث بعلبك، طاريا، شمسطار، سلوقي، بدنايل.

2-البقاع-السلسلة الشرقية: القاع، رأس بعلبك، الفاكهة، عرسال، اللبوة، يونين، نحلة، عمشكي، عين بورضاي، شادورة، الطيبة، بريتال، حورتعلا، حام، خريبة، عين الجوزة، الطفيل.

3-البقاع-زحلة: مجدل عنجر، قوسايا، الصويري.

4-الجنوب: أنصار(النبطية) و بعاصير(الجية).

5-الشمال: كفرحبو(الضنية)، مجدل ومشمش(عكار).

يقول المطّلعون في هذا القطاع، إنّ الأضرار لا تقتصر على تخريب أراضٍ جديدة فحسب، بل تُخضع هذا القطاع لإبتزاز جديد، "حيث جرت العادة منذ ثلاثين سنة مضت أن يدفع اصحاب الكسّارات مبالغ طائلة للمعنيين لقاء المهل الإدارية التي تسمح لهم بالعمل". مما يعني أن القيّمين على اصدار المهل لا الرخص القانونيّة سيحصلون على مكاسب مالية (رشاوى) بحسب كل مشروع"، ويقدّر المطّلعون على خبايا عمل القطاع المذكور أنّ تلك المهل "تجمع حوالي ٢٠٠ مليون دولار سنوياً، فهل تُعاد الكرّة"؟.

الأمر الأخطر الذي يطرحه العارفون أنفسهم ان مشروع المخطّط التوجيهي الجديد يتضمّن وقائع خطيرة، خصوصاً ما ورد بشأن إستثناء المشاريع الكبيرة الخاصة بالدولة. يعني بإمكان أي متعهد كبير يتعامل مع الدولة، وهما في العادة إثنان لا ثالث لهما، قلع الصخور وإستخراج البحص والإتّجار به تحت عنوان مشروع الدولة. هذا ما جرى في مشاريع سابقة، عندما باع احد متعهدي أشغال الطرق: الصخور والبحص، فحصل على مبالغ طائلة هي حقّ لخزينة الدولة، عدا عن انه يُعتبر التفافاً على القانون.

يروي أحد المطّلعين على ملفات المقالع والكسّارات ان احد وزراء البيئة السابقين إبتدع إجازة "البحص المفتّت" وهو غير موجود اساساً في لبنان، لأنّ الصخور صلبة جدا، وهي من أشد انواع الصخور في العالم، خصوصا في منطقة بعاصير الجيّة التي يشملها المخطط المطروح الآن، بنفس الصيغة القديمة "بحص مفتت". ويضيف هؤلاء: متى عرفتم من يقلع صخور بعاصير الجيّة يبطل العجب؟ فالمشهد نفسه يتكرر ويرسّخ نفسه في المخطط الجديد الذي تقدم مشروعه وزارة البيئة حالياً.

ولذلك يسأل العارفون: أين الإصلاح الذي يُحكى عنه في وزارة البيئة، وتحديداً في ملف الكسّارات؟ في وقت يبدو فيه المشروع باباً جديداً لتكرار ما كان يحصل سابقاً في كسّارات أبو ميزان في المتن التي اوقفها ​مجلس الوزراء​ عام ١٩٩٩ وبقيت تعمل من دون أيّ توقف، أو ضهر البيدر حيث يتقاضى ورثة وزير راحل حتى الآن مبلغا شهريا من أصحاب إحدى الكسّارات لقاء رخصة اداريّة تشرّع عمل الكسّارة.

هل تعني كل تلك القضايا التي يطرحها المعنيون بملف المقالع او الكسّارات أن هناك شبهات تحوم حول المقاربة الواردة في مشروع المخطط؟ الجواب هو عند المجلس الوطني للمقالع والكسّارات، لأنّ الإتهام يقوم على قاعدة أن "المخطط التوجيهي المطروح ليس عادلاً ولا مدروساً، بعدما كانت الدولة اللبنانيّة اجرت دراسات علميّة لم تُطرح نتائجها الآن". فهل قدر اللبنانيين ان يشهدوا كل ٣ او ٤ سنوات اجراء تصنيف للأراضي ثم تُلغى التصنيفات؟.