منذ بداية الحرب السُوريّة في العام 2011، عانى ​لبنان​ من أزمة نزوح سوري إلى مُدنه وبلداته وقراه، تفاقمت مع الوقت، لتُصبح حاليًا إحدى أبرز مشاكله على الإطلاق، في ظلّ غياب مُستمرّ للمُعالجات تزيد من فداحة المُشكلة، وتُعرّض لبنان لخطر صدام مُسلّح كارثي في المُستقبل! والأدلّة على ذلك واضحة، وأبرزها:

أوّلاً: الخلاف بين لبنان الرسمي والعالم الغربي بشأن سُبل التعامل مع أزمة النازحين السُوريّين بات كبيرًا جدًا، حيث يرفض المُجتمع الدَولي مُساعدة لبنان في إعادة هؤلاء النازحين إلى ​سوريا​، بحجّة ربط هذه العودة بالتسوية الشاملة للحرب السُوريّة التي طال أمدها، وكذلك بمسألة إعادة إعمار سوريا التي ثبت أنّه لن يتم تأمين الأموال اللازمة لها، إلا بعد وضع الملف السُوري على خارطة الحلول التي تأخذ مصالح كل الدُول المعنيّة في الإعتبار. وهذا الواقع جعل السُلطات اللبنانيّة وحيدة في مُواجهة أزمة النزوح السُوري، في ظُلّ تأثّر الدول الأوروبيّة بالرفض الأميركي لتحريك هذا الملفّ حاليًا، وطلب ​روسيا​ التنسيق مع النظام السُوري لمُعالجة المَوقف، على الرغم من أنّ موسكو تعمل خلف الكواليس للمُساعدة في حلّ الأزمة، ويُنتظر أن يصل وفد من قبلها إلى لبنان الأسبوع المقبل، للبحث في خطوات تنفيذيّة لهذا الغرض.

ثانيًا: بعض البلديّات اللبنانيّة إتخذت إجراءات قاسية بحقّ ​النازحين السوريين​، لجهة منعهم من العمل أو السكن في نطاقها البلدي، تحت عناوين مُختلفة تشمل الحفاظ على الأمن والإستقرار، وغياب المُستندات القانونيّة للاجئين، وعدم إستحصالهم على رُخص عمل، وحماية اليد العاملة اللبنانيّة، إلخ. وهذه التدابير أسفرت عن تخلّص بعض المناطق من عبء النازحين، لكنّها بالطبع لم تحلّ المُشكلة على مُستوى لبنان، حيث إنتقل النازحون الذين جرى إستبعادهم من بلدة إلى أخرى ومن قرية إلى أخرى!.

ثالثًا: إنّ تساهل بعض البلديات إزاء وُجود النازحين السُوريّين جعلهم يُبالغون في توسعة وفي تثبيت المُخيّمات التي يُقيمون فيها مع عائلاتهم، والتي يُفترض أن تكون مُوَقّتة. لكنّ التقارير المُوثّقة باتت تتحدّث عن غرف مصنوعة من الإسمنت، بشكل ظاهر في بعض الأماكن، وبشكل مُستتر تحت شوادر الخيام في أماكن أخرى، بشكل يُذكّر ببدايات مُخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين التي كانت مُوقّتة، ثم بدأ يغزوها الباطون، قبل أن تُحوّل إلى قلاع إسمنتيّة مُحصّنة، مع كل ما يعنيه هذا الواقع من مخاطر أمنيّة!.

رابعًا: إنّ عمليّات الدهم لأماكن تواجد النازحين السُوريّين الذين يعملون بشكل مُخالف وغير قانوني، والتي بدأت السُلطات اللبنانيّة الرسميّة والمُختصّة القيام بها بوتيرة كثيفة أخيرًا، هي ضروريّة ومطلوبة بإلحاح، وقد طال إنتظارها كثيرًا. لكنّ المُشكلة أنّ عمليّات طرد المُخالفين تتمّ بشكل جزئي ومحدود، بسبب غياب الإمكانات والقُدرات البشريّة الفعّالة، ومن دون مُتابعة ضروريّة في كثير من الأحيان، بحيث أنّ النازحين المُخالفين ينتقلون من مكان إلى آخر، ويتهيّأون الفرصة للعودة مُجدّدًا، بعد تسوية بعض الأوراق بحوزتهم، أو بعد الإستحصال على غطاء قانوني من قبل مُشغّل لبناني.

خامسًا: إنّ غياب الموقف اللبناني الرسمي المُوحّد إزاء أزمة النزوح السُوري في لبنان، نتيجة خلفيّات سياسيّة وطائفيّة ومذهبيّة، أسفر عن تفاقمها كثيرًا، في ظلّ حديث عن نيّة بعض الأطراف اللبنانيّة التواصل قريبًا وبشكل مُباشر مع النظام السُوري لتأمين عودة جزء من النازحين، بناء على خطّة عمل وضعها وزير الدولة لشؤون النازحين ​صالح الغريب​.

في الختام، لا بُدّ من التذكير بأنّ المَطلوب اليوم مُعالجة سريعة لملف النازحين-ولوّ أنّ التأخير في إتخاذ الإجراءات المُناسبة ضاعف المُشكلة وزاد تشعّباتها، بحيث أنّه من الأفضل أن تأتي الحُلول متأخّرة على أن لا تأتي أبدًا. لكنّ المُعالجات الجزئيّة والفرديّة والمبتورة، قد تحلّ المُشكلة في نطاق جُغرافي مُحدّد، لكنّها ستُضاعفها في أماكن جُغرافيّة أخرى في لبنان. والأخطر، أنّ منع النازحين السوريّين من السكن ومن العمل في موقع مُحدّد، من دون إعادتهم إلى بلادهم، يعني تلقائيًا إنتقالهم إلى موقع آخر في لبنان! ومن شأن هذا الأمر أن يزيد من إحتمال تحوّل جزء منهم إلى عصابات مُسلّحة، وحتى من إحتمال إنجرار المزيد منهم إلى الفكر الإرهابي الأعمى، وإلى تهيئة الأجواء للكثيرين منهم لحمل السلاح تحضيرًا لصدام قد يأتي بمُجرّد أن تتاح الظروف المحليّة والإقليميّة لذلك، كما حصل سابقًا مع اللاجئين الفلسطينيّين!.