قامت الدنيا ولم تقعد في ​لبنان​ و​العالم العربي​، بسبب الكلام الصادر عن وزير الخارجية ​جبران باسيل​ والذي قال فيه: "من الطبيعي أن ندافع عن اليد العاملة اللبنانيّة بوجه أيّ يد عاملة أخرى كانت سوريّة فلسطينيّة فرنسيّة سعوديّة إيرانيّة أو أميركيّة، فاللبناني قبل الكل". في المبدأ لا يمكن تصنيف هذا الكلام على انه عنصريّة او "خيانة"، ولكن في المنطق، يمكن القول ان باسيل اخطأ في تسمية الجنسيّات، وكان اجدى به الا يحدّد ايّ جنسية عربيّة كانت ام اجنبيّة، طالما ان الهدف هو تفضيل اللبناني على الجميع، اضافة الى ان ليس هناك من يد عاملة اوروبية او اميركية او خليجية في لبنان لمنافسة اللبنانيين في حقول العمل اليومية، وربما اتت التسميات من اج عدم التركيز فقط على السوريين والفلسطينيين. اضافة الى ذلك، من المهم جداً لو اوضح باسيل انه على العامل غير اللبناني، اياً كانت جنسيته، والراغب ان يعمل في هذا البلد، ان يمتثل للقوانين والاجراءات المطلوبة، تماماً كما يفعل اللبناني في أيّ بلد آخر يذهب للعمل فيه (اوضح باسيل ذلك لاحقاً في تغريدة ثانية، انما بعد وقت).

ولكن، كلام باسيل "استفزّ" السعوديين ومؤيديهم في لبنان، فكانت حملة منظّمة عليه وصلت الى حد المطالبة باستقالته والتعرّض له بالامور الشخصية. بغض النظر عن عدم قبول التعرض بالشخصي لاي شخص كان، اكان في موقع المسؤولية ام لا، فإنه من المستغرب ان تقام هذه الحملة والتي وصلت الى حد تبنّي وسائل اعلامية لبنانية خبراً مفاده ان احد اصحاب الشركات السعوديّة طرد اربعة عمال لبنانيين لديه انتقاماً من باسيل وكلامه. ( في ما خص هذا الخبر، كان لافتاً انه لم يؤتَ على ذكره في أيّ وسيلة اعلامية سعودية او خليجية او غيرها، وتناقلته فقط وسائل اعلام لبنانيّة، فضلاً عن ان الاسم الوارد في الخبر على انه صاحب الشركة المعنيّة، يختلف عن الاسم الحقيقي لصاحب الشركة نفسها). ف​السعودية​ اخذت الموضوع الى مكان آخر كلياً، واعتبرته استهدافاً لها، علماً انه وكما سبق وذكرنا، ليست هناك من يد عاملة سعودية او خليجية في لبنان تنافس اللبنانيين. ولم يكن الموقف نفسه من قبل الاميركيين او الاوروبيين او الايرانيين او غيرهم، وهذا ما يدعو الى استغراب الموقف السعودي.

كما انه من غير المقبقول ايضاً اتخاذ اللبنانيين "رهينة" في ايّ بلد يتواجدون فيه، والتلويح بالضغط عليهم عند صدور أيّ موقف او رأي لا يتفق معه مسؤولو البلد المعني، ومن غير المقبول ان يتعرض اي شخص يلتزم بالقوانين والاجراءات والتدابير التي تفرضها دولة ما، الى التهديد والتخويف فهو يقوم بواجباته كاملة ومن المفترض، اذا كان البلد المعني يحترم نفسه بالفعل، ان يؤمّن له حقوقه كاملة ايضاً، فلا يكون عرضة للتهويل في ايّ لحظة.

واذا سلّمنا جدلاً وتخطّينا كل هذه المعطيات، كيف يشرح السعوديون ومؤيديوهم الصمت المطبق الذي ساد حين تكلم الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ عن العاهل السعودي الحالي سلمان بن عبد العزيز، بكلام يسيء الى شخص الملك ومواقفه والى السعودية بكاملها، ولماذا لم يُهدّد مصير الاميركيين في السعوديّة، او المطالبة باقالة ترامب او مقاطعة ​الولايات المتحدة​ الاميركيّة وعدم التعامل معها؟ هل اهانة الملك السعودي باتت امراً سهلاً بالنسبة الى السعوديّة؟ ام انّ ترامب نطق بحكمة ما بعدها حكمة ولا يجب الرد عليها؟.

ليس الهدف تبرير الخطأ الذي وقع فيه باسيل، ولكن في المقابل، لا يجوز تكبير الامور وتضخيمها والتعاطي بمعايير مزدوجة حيال عناوين عامّة يفترض ان تكون موضع توافق واحترام من قبل الجميع.