قد تكون هي المرة الأولى التي ينطبق فيها السؤال التقليدي لرئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​: إلى أين؟ على واقع زعامة المختارة. يتردّد هذا السؤال عند محازبي جنبلاط الذين يلمسون تخبّطاً سياسياً واضحاً بكل إتجاه، إستناداً إلى تصرفات "البك" اليومية، وإنتقاداته التويترية، وتوتر علاقاته مع حلفاء الأمس: الآن، من هم حلفاء جنبلاط؟ لم ترتقِ علاقات المختارة مع معراب الى حد التحالف الثابت، بل هي تقاربٌ عالقطعة. ولم تعد تجمع تيار "المستقبل" بالمختارة عناوين سياسيّة داخلية: لا إستراتيجيات ولا تكتيكات، بل تضاربت المصالح وتباينت المواقف، كما اظهر مثلاً، الخلاف في اقليم الخروب، فتهجّم جنبلاط على محافظ جبل لبنان "الموظف الصغير عند تيار سياسي تائه ومتخبّط في خياراته العامة"... جاء الهجوم يقطع خيوط التواصل مع بيت الوسط. يدرك جنبلاط جيداً أن الإقليم لم يعد مساحة لنفوذ الإشتراكيين. تغيّرت الأجيال. فالردود جاهزة: سرعان ما جاوب عضو كتلة "المستقبل" النائب محمد الحجار على زميله الإشتراكي النائب بلال عبدالله. لم يعد اهالي الإقليم، كما كانوا، يتأثرون بزعامة المختارة امام التموضعات الطائفية والمذهبية القائمة في البلد والمنطقة، وتراجع نفوذ ودور جنبلاط. يعرف "البك" ان المنافسة صعبة من جانب حليفه القديم "المستقبل" وباقي القوى السياسية الصاعدة والشخصيات الوازنة في الضفّة السياسية المقابلة لموقع المختارة. يعرف "وليد بك" أن الشوف تغيّر: المسيحيون يستعيدون أدوارهم التاريخيّة الطبيعيّة. الحزبان الدرزيان "التوحيد العربي" و"الديمقراطي اللبناني" يتمدّدان كما بيّنت صناديق الإقتراع: دفعةٌ سياسية صغيرة ستحمل معها الوزير السابق وئام وهّاب الى ساحة النجمة في الإنتخابات المقبلة. بينما تستعيد زعامة خلدة-عاليه-حاصبيا مع النائب طلال ارسلان، الآن، مجد "المير مجيد" بعد جمود إمتّد لعقود، كان يحظى بها جنبلاط بالدعم السوري ثم السعودي، والغربي، والروسي. وإذا كان الموحدون الدروز بحثوا عن حمايات سياسية سابقاً ووجدوا في "وليد بك" بعد "كمال بك" عنصر إستمرارية للزعامة في المختارة، فإن رئيس الحزب "التقدمي" لم يلمس حتى الآن قناعة وكفاءة سياسية عند نجله النائب تيمور جنبلاط للحفاظ على دور المختارة. او ربما الزمن تغيّر. لكن من تعرّف او سمع من الدروز عن نجل ارسلان: مجيد، الذي يتابع دراساته العليا في العلوم السياسيّة في بريطانيا، جزم بأن "المير الصغير" سيرفد "الديمقراطي" بطاقةٍ شابة. لم تنفع كل محاولات "وليد بك" شحن نجله تيمور بالطاقة السياسية، وهو حاول عبر طرق عدة، ومنها تأسيس صداقة بينه وبين نجل رئيس "المردة" النائب طوني فرنجية، أو فتح خطوط بين "تيمور بك" وموسكو. لكن لم تُصرف كل تلك المحاولات في مساحات الشوف، ولم تنتقل الى بعبدا ولا الى عاليه.

الأزمة الكبرى التي يعرف أبعادها جنبلاط ان الرقم السياسي الداخلي والإقليمي الاصعب: "حزب الله"، لم يعد يتعامل مع المختارة كزعامة وحيدة للدروز. بدل أن يحتوي "وليد بك" تداعيات الازمة مع حارة حريك، كما كان يفعل، واصل هجومه على الحزب المذكور، حتى وصل به الأمر الى محاولة الإطاحة بقرارات وزراء "حزب الله"، كما فعل وزير الصناعة وائل ابو فاعور بملف كسّارة جرود عين دارة. رفع جنبلاط شعار البيئة، لكن الحزب إستند الى قرارات قضائيّة ورخص قانونيّة، وإزدواجيّة جنبلاطية بالتعامل مع قضايا المقالع والكسّارات. ولذلك إعتبر "حزب الله" ان جنبلاط لم يكتف بمحاولة إستفراد آل فتوش، بل اوحى تصرف ابو فاعور ان قرارات وزير "الوفاء للمقاومة" النائب حسين الحاج حسن بأنها مغلّفة بالفساد. ولا يبدو ان الحزب سيتراجع عن ملف جرود عين دارة، وقد دخل على الخط بقوة ارسلان داعماً آراء اعداد كبيرة من الشوف وعين دارة تحديداً، الذين يريدون تنفيذ المجمّع الصناعي لتشغيل اليد العاملة العاطلة عن العمل في الجبل. صار السجال عالمكشوف، في معركة سياسية على أرض جرود عين دارة. لا يبدو ان تراجع ال فتوش وارد ابداً محاطين بدعم سياسي وتغطية قانونية، ولا انكفاء "حزب الله" او "الديمقراطي". كلّها تزيد من ازمة جنبلاط في الجبل.

واذا كان "وليد بك" سلّف رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ في موضوع المقعد الدرزي أثناء تأليف الحكومة، بعدما غافل حليفه التقليدي رئيس المجلس النيابي نبيه بري في هذا الصدد، لا يعني ذلك ان العلاقات بين بعبدا والمختارة، او بين "التقدمي" و"الوطني الحر" على ما يُرام. تحيط بها ازمة الثقة بينهما. ستزيدها التعيينات المقبلة تباعداً، خصوصا ان التيار البرتقالي سيدعم تسمية مدراء عامين دروز من حصة "8 آذار".

لم يبق لجنبلاط حليفاً الاّ عين التينة. لكن حلف رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط لا يكون على حساب تحالف الثنائي الشيعي. مما يوحي أن "وليد بك" هو في وضع سياسي حرج، بإنتظار تغييرات إقليميّة، لا يبدو انها تسير في صالحه. والى حين إتضاح المسار السياسي الخارجي، ستبقى منصة "التويتر" تعبّر عن هواجس "البك"، لكنها لن تجد آذاناً صاغية عند حلفائه وخصومه كما كانت سابقا. لأن لكل فريق سياسي منصة تويترية، وتغريدات اخرى، من خلدة او الجاهلية صارت سريعة التغريد والفاعلية.