عاد رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ من عطلة عيد الفطر الطويلة وعقد مؤتمره الصحافي ليضع فيه النقاط على حروف مواقف ​تيار المستقبل​، والتعليق على ما شهدته الأيام الماضية من سجالات وحملات قادها ما يُعرف "بصقور المستقبل" مع الحلفاء والخصوم على حد سواء. شعر الحريري بالحصار فقرر التصعيد خصوصا بعد أن باتت الأصوات داخل طائفته تعلو ولو داخل الغرف المغلقة لتتهمه بالانصياع لرغبات الآخرين.

في الشكل حمل المؤتمر الصحافي أكثر من رسالة تصعيدية، بوجه ​حزب الله​ عندما شدد على رفض أي كلام مسيء للسعودية، معتبرا ان موقف لبنان الرسمي يتمثل بشخصه كرئيس للحكومة، وبوجه ​التيار الوطني الحر​ عندما تطرق لخطورة كلام رئيس التيار ​جبران باسيل​ عن السنية السياسية.

ولكن عند البحث في المضمون فإن الرسالة الأبرز في المؤتمر الصحافي، كانت إصرار رئيس الحكومة على ترميم التسوية الرئاسية مع "التيار الوطني الحر"، رغم الملاحظات التي عبّر عنها بالنسبة إلى ما حصل في الأيام الماضية، ما يعني أن الحريري لا يجد أي بديل عنها في المرحلة الراهنة، وبالتالي غير مستعد للدخول في مغامرة غير محسوبة النتائج، لا سيما إذا كانت نوايا التصحيح متوفرة لدى فريق رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​.

في المقابل، سيجد رئيس الحكومة، لدى "التيار الوطني الحر"، كل الدعم الذي يحتاج إليه، لأن المطلوب ليس إسقاط الحريري أو إستبداله بأيّة شخصية سنية أخرى، فالتيار يدرك جيداً تداعيات خروج الحريري من ​السراي الحكومي​، خصوصاً أن هذا الأمر يشمل معظم الأفرقاء الآخرين، من "حزب الله" إلى "​حركة أمل​" وصولاً إلى "الحزب التقدمي الإشتراكي" و"القوات اللبنانية".

من وجهة المصادر نفسها، خروج الحريري في مؤتمره الصحافي يعود إلى ما حصل في الشارع السني بشكل أساسي، نظراً إلى أن حجم الضغط في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد حادثة طرابلس والهجوم الارهابي، كان كبيراً جداً، حيث سعى البعض إلى ركوب الموجة من للتصويب على رئيس الحكومة، وتشير في هذا السياق إلى خطاب وزير الداخلية والبلديات السابق ​نهاد المشنوق​ بعد زيارته دار الفتوى.

بالنسبة إلى هذه المصادر، هنا مشكلة الحريري الأساسية، فهو لا يريد تكرار تجربة وزير العدل السابق ​أشرف ريفي​ في بيروت، بعد أن نجح في إعادة "اللواء" إلى "البيت المستقبلي" بعد المصالحة معه خلال مرحلة الإنتخابات الفرعية في طرابلس، لا سيما أنه يحظى بشبه إجماع داخل شارعه، في ظل التفاهم مع رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​.

وتضيف المصادر: "يحاول الحريري الخروج من المرحلة الحالية بأقل الخسائر الممكنة، فهو من جهة لا يستطيع إعطاء ظهره للمسؤولين السعوديين وما يطلبونه من زيادة الضغط على حزب الله، ومن جهة ثانية لا يستطيع كسر الجرة مع الشركاء الحكوميين في لبنان، لذلك رفع سقف خطابه بمكان للتأكيد على ما يعتبره حق الطائفة السنية، ودعا للحوار الهادىء في مكان آخر، من أجل صون ما تبقى من علاقات تجمعه مع العناصر الأبرز بالتركيبة السياسية اللبنانية الحالية.

وتؤكد المصادر بالمقابل أن لا أحد يرغب بحشر الحريري لاجل إخراجه، لا التيار الوطني الحر الذي لا يرغب بدخول العهد الحالي بفراغ حكومي جديد، ولا حزب الله الذي يعلم بان الحريري هو السني الأنسب لرئاسة الحكومة بالمرحلة الحالية، ولا رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ الذي يفضّل الحريري في كل حين نسبة لما يمتلكه الاخرون من شعبية في شارعه السني.

لن يرتفع سقف الحريري حتى الاستقالة، ولكن توحي الاجواء الحالية في لبنان أن الأيام المقبلة ستشهد مزيدا من عمليات التجاذب السياسي، فهل يتأثر ملف الموازنة ويتأخر عن موعده المفترض نهاية الشهر الجاري؟.