ما اجتمع اثنان في لبنان إلا وكانت الموازنة العامة للعام 2019 ثالثهما، فكيف إذا كان "الإجتماع" مع خبراء وأصحاب عِلمٍ وكفاءة؟

لا حديث في البلد إلا حديث الموازنة، فهي على طاولة ​مجلس النواب​، أوليس مستغربًا ان يحضر اجتماعات ​لجنة المال والموازنة​ النيابية أكثر من ستين نائبًا، أي ما يقارب نصف عدد مجلس النواب؟ حين يبلغ اهتمام النواب ان يحضر نصفهم اجتماعات لجنة المال والموازنة، فهذا يعني ان الموازنة أصبحت شيئًا مهمًا جدًا في حياة البلد وأن أرقامها باتت أمرًا مصيريًا بالنسبة الى حياة المواطنين والمؤسسات سواء أكانت خاصة أو رسمية. الجميع يريدون ان يفهموا الـ 1234 صفحة التي أُحيلت من ​مجلس الوزراء​ إلى مجلس النواب، اما السبب الأكبر في هذه "الهجمة" على فَهم الموازنة فلأنها أصبحت "الحيلة والفتيلة" يريدون جميعًا ان يعرفوا: ما هي نسبة العجز؟ ما هو حجم الديون؟ كيف سيتأمن التمويل لها؟

***

من خارج مجلس النواب، هناك عقول وأدمغة تعرف بالموازنات، ربما أكثر بكثير ممن هم داخل مجلس النواب، لو تمت الاستعانة بهم، ليس فقط عند مناقشة الموازنة، بل عند وضعها، لكانت الدنيا بألف خير .

من بين هذه العقول والأدمغة، الوزير السابق، المصرفي، إبن البيت العريق، ​مروان خير الدين​، هذا الكلام لا يُطلَق في الهواء بل لأن سيرته الحافلة بالعِلم وسمعته العابقة بالنزاهة تسبقه أينما حل وكيفما تكلَّم ويأتي تحليله في آخر أطلالة تلفزيونية.

مروان خير الدين يحمل شهادة بكالوريا في إدارة الاعمال والاقتصاد من جامعة ريتشموند في المملكة المتحدة، وشهادة ماجستير في ادارة الاعمال من جامعة كولومبيا في ​الولايات المتحدة الاميركية​، بالاضافة إلى دراسات عليا في كلية إدارة الاعمال في كل من ​جامعة هارفرد​ في الولايات المتحدة الاميركية وجامعة لندن بزنس سكول في المملكة المتحدة.

وهو استاذ محاضر في كلية إدارة الاعمال في ​الجامعة الاميركية​ في ​بيروت​ منذ العام 1993 وحتى تاريخه، كما حاضر في عدة ندوات ومؤتمرات محلية واقليمية ودولية.

حين تكون شخصية حاملة كل هذا العِلم فإن كلامها يجب ان يكون مسموعًا .

يقول مروان خير الدين (وليت الوزراء والنواب يستمعون إليه):

- الطباخون كثر في طبخة الموازنة والبعض منهم لا يفهم ولا يعرف في الأرقام.

- لو أن الضرائب تُسحب من المواطنين على أن يحصلوا في المقابل على خدمات في القطاعات كافة لكانوا قبلوا بالضرائب المفروضة .

- هذه أوّل موازنة إصلاحية ولكنها غير كافية وتنفيذ خطة ​الكهرباء​ كما وُضِعَت ستخفّف العجز.

- حان الوقت للدعوة إلى حوار وطني للبحث في كيفية استمرار الشراكة في البلد.

- لا ثقة عند المواطن تجاه ​الدولة​ لأنها أرسلت في السنوات الماضية رسائل خاطئة إلى المواطنين .

***

- تصويب وضع الكهرباء الذي لا يمكن أن يستمر على هذه الحالة.

- التحصيل الجمركي الذي على رغم كل التحسينات التي شهدها فإنه ما زال بحاجة إلى ضبطٍ أكبر.

- المطلوب جباية شاملة للضرائب من دون استثناءات ومن دون تهرب، فتحسين الجباية من شأنه أن يُغني عن زيادة الضرائب، هكذا تكون المعادلة واضحة والفارق واضح بين التحسين والزيادة، وهذا ما من شأنه أن يُنقذ الوضع الإقتصادي.

***

الموازنة المطروحة لا تُظهر للمجتمع الدولي والأسواق أنّ الدولة اللبنانية جاهزة لاتّخاذ قرارات صعبة لوَقف الهدر والفساد وتنمية الاقتصاد.

الموازنة في الشكل الذي طُرحت فيه أظهرت انّ الدولة لا تسعى سوى الى سحب الاموال من المواطنين.

***

لو استُمِعَ إلى هذا الكلام عند وضع الموازنة وعند مناقشتها في مجلس الوزراء وحتى مع بدء درسها في مجلس النواب، لكان لبنان أرسل إشارات إيجابية إلى ​المجتمع الدولي​ والهيئات الدولية. وبالرغم من كلّ الشوائب ستُقرّ.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، تطرَّق الوزير خير الدين إلى الصندوق السيادي الذي سيتكون من مردود الغاز في لبنان. لكن على رغم الأمل بالغاز، فإن هذا الصندوق يجب ان يكون "مخزون الأجيال المقبلة" لا "تغطية لِما هدرته" أجيال الطبقة السياسية في الربع قرن الأخير.

مرحلة الاستكشاف تنتهي عام 2021 وفي حال لم يتم أي تجديد لهذه المرحلة علينا اضافة سنة اخرى وهي المهلة المعطاة لائتلاف الشركات من أجل الانتهاء من تقييم الاحتياط والاعلان عن الكميات الموجودة من ​النفط والغاز​.

من بعدها على ائتلاف الشركات تقديم خطة انتاج البترول ونقله في مهلة لا تتعدى السنتين من حفر آخر بئر استكشاف.

هذا يعني ان بدء دخول أموال على الصندوق السيادي لن يحصل قبل 8 سنوات على الاقل ان لم يحصل أي تمديد أو تأجيل في عمليات التنقيب والاستخراج.

ويبقى السؤال الجوهري: تحت أية وصاية سيكون الصندوق السيادي؟ الحكومة؟ ​وزارة المال​؟ ​مصرف لبنان​؟ هيئة مستقلة؟

هذا باب خلاف جديد، لكن مهلًا، هو خلاف لن يكون قبل سنوات، فلننتظر، ولنعالج الخلافات الآنية أولًا.