في لحظة اجتماع رئيس الوزراء الياباني ​شينزو آبي​ مع مرشد ​الثورة الإسلامية​ في ​إيران​ الإمام ​علي الخامنئي​ ناقلاً رسالة من الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ في محاولة لإقناع ​طهران​ بالتفاوض مع ​واشنطن​ لإنهاء التوتر الحاصل، والذي افتعلته إدارة ترامب بانسحابها من ​الاتفاق النووي​ والتنكّر لتوقيع واشنطن عليه، دوّت ​انفجارات​ قوية متتالية في بحر عُمان بعد استهداف ناقلتي نفط عملاقتين محمّلتين بالخام، وشبّت حرائق هائلة على متن الناقلتين المستهدفتين، وهما من الناقلات العملاقة التي تحمل ​النفط​ الخام من الخليج…

وقد طرح ذلك التساؤلات حول الجهة التي تقف وراء استهداف الناقلتين، والأهداف التي تسعى إليها، هل هي لإحباط الوساطات الدولية الجارية من أكثر من طرف غربي بين طهران وواشنطن، لا سيما أنّ هذه الوساطات تأتي بناء على رغبة وطلب ترامب…

من الواضح أنّ إيران ليس لها مصلحة في القيام بمثل هذا الهجوم ضدّ ناقلات النفط، لا سيما أنها في وضع مريح في الصراع الدائر بينها وبين ​الولايات المتحدة​، فهي متيقنة من أنّ واشنطن لا تجرؤ على شنّ الحرب عليها، ولهذا تراجع مناخ التهديد بالحرب، وقد عكست ذلك مواقف ترامب التي وضعت حداً لخطاب الحرب الذي كان يروّج له مستشاره للأمن القومي ​جون بولتون​، وفي نفس الوقت تبيّن عدم قدرة واشنطن على تصفير صادرات إيران النفطية.. في ظلّ قرار صيني روسي حازم بالاستمرار في شراء النفط الإيراني، وإعلان اليابان عبر مسؤول في شركة كوزمو اليابانية يوم الاثنين الماضي أنها بدأت باستيراد أول شحنة من النفط الإيراني وشحن 850 ألف برميل من النفط الخام بما فيه 200 ألف برميل من النفط الخفيف و650 ألف برميل من النفط الثقيل…

وقد أعلنت شركة «إس آند بي غلوبال» الأميركية مؤخراً انّ البنوك اليابانية حصلت علي التراخيص اللازمة لاستئناف صفقات شراء النفط الإيراني.. والمعلومات تشير إلى أنّ الناقلتين اللتين استهدفتا تحملان شحنات نفط متجهة إلى اليابان… ما يؤكد أنّ استهداف الناقلتين إنما هو لإحباط جهود اليابان ومعاقبتها على استئناف شراء النفط الإيراني ودورها في التوسط بين واشنطن وطهران.. لهذا فإنّ الجهة التي تقف وراء ضرب الناقلتين متضرّرة من هذه التطورات التي تصبّ في مصلحة موقف إيران الذي يرفض تقديم التنازلات لواشنطن وتصرّ على رفض أيّ تفاوض مع الولايات المتحدة بعد أن خرجت على الاتفاق النووي ولم يعد بالإمكان الوثوق بها، فيما المطلوب أولاً ان تعود واشنطن إلى الالتزام بالاتفاق والتراجع عن فرض العقوبات الاقتصادية ضدّ إيران قبل الحديث عن أيّ تفاوض..

وإذا ما دققنا بالجهات المتضرّرة من التطورات الجارية في مصلحة إيران وتراجع خطاب الحرب في واشنطن، يأتي في المقدّمة كيان العدو الصهيوني الذي يقف بالأصل ضدّ الاتفاق النووي وعمل في ما بعد عبر اللوبي الصهيوني في واشنطن والمحافظين الجدد على ممارسة الضغوط على إدارة ترامب للانسحاب من الاتفاق وهو ما حصل…

كما يأتي في المرتبة التالية دعاة الحرب في واشنطن الذين يعارضون سياسة ترامب في التفاوض مع إيران… وقد تكون ​السعودية​ أيضاً لها مصلحة في استهداف الناقلتين، فهي منخرطة في السياسة الإسرائيلية لتوجيه البوصلة من العداء ضدّ كيان العدو الصهيوني إلى العداء ضدّ الجمهورية الإسلامية ال​ايران​ية، لا سيما أنّ المسؤولين في ​الرياض​ يشعرون بالخيبة من توجهات ترامب بعد تفجيرات ناقلات النفط في ميناء الفجيرة، بعدم الذهاب إلى التصعيد ضدّ ايران وتهيئة المناخ لشنّ الحرب ضدّها..

غير أنّ الاستهداف الجديد لناقلات النفط أكد مجدّداً الحاجة الغربية الأميركية للتهدئة مع إيران وقطع الطريق على الجهات التي تسعى إلى التصعيد لما لذلك من مخاطر تهدّد إمدادات النفط من الخليج و​باب المندب​ إلى دول العالم التي تستورد نحو 20 بالمئة من احتياجاتها النفطية من المنطقة.. ومثل هذا الأمر يصبّ بالتأكيد في مصلحة إيران التي أكدت أكثر من مرة أنه لا يمكن السماح بوقف تصدير نفطها وبقاء الآخرين يصدّرون نفطهم..

لكن إلى أين تتجه الأمور؟

كلّ المعطيات تؤشر إلى عدم ترجيح خيار الحرب لأن لا واشنطن تريد الإقدام عليها بسبب كلفتها الباهظة وتداعياتها على المصالح والنفوذ الأميركي في المنطقة إلى جانب أنها ستؤدّي إلى وقف إمدادات النفط واشتعال أسعاره بشكل جنوني.. وفي المقابل فإنّ خيار التفاوض بين طهران وواشنطن احتمالاته ضعيفة جداً اذا لم يكن مستبعداً لأنّ طهران لن تقبل العودة إلى التفاوض أقله قبل أن تعود واشنطن إلى الالتزام بالاتفاق النووي وما يتضمّنه من التزامات، فيما إدارة ترامب ترفض ذلك وتسعى إلى التفاوض لتعديل الاتفاق عدا أنّ ترامب ليس له مصلحة في التراجع عن هذا الموقف لأنه سيعتبر فشلاً كبيراً لسياساته وهزيمة أمام إيران ويؤدّي إلى خسارته دعم وتأييد اللوبي الصهيوني في ​الانتخابات الرئاسية​ المقبلة التي يطمح فيها للفوز بولاية ثانية… ولهذا فإنّ المرجح أن يبقى الصراع بين إيران والولايات المتحدة تحت سقف لا حرب ولا تفاوض… وبالتالي بقاء التوتر والصراع بوسائل غير مباشرة وعبر الضغوط الاقتصادية التي تمارسها واشنطن ضدّ طهران على الرغم من أنها لن تفلح في دفع القيادة الإيرانية إلى التراجع قيد أنملة عن مواقفها الرفضة لأيّ شروط وإملاءات أميركية…