ككل يوم، أبدأ عملية التفتيش المعمَّق عن الأحداث المتلاحقة والملفات البارزة التي تهم المواطن ال​لبنان​ي والأخوان العرب والمغتربين وكل مَن ينطق بلغة الضاد. وبعد التفتيش تبدأ مرحلة الكتابة بعد بحث معمق وحركة اتصالات واستقصاءات من أجل ان أُقدِّم للقارئ المادة الإخبارية والتحليلية المناسبة وفق معايير الدقة والصدقية والموضوعية.

لكن التطورات اللبنانية تخذلنا أحيانًا لأن الملفات باتت من النوع الممل الذي يدفع إلى الهروب منها بسبب تكرارها ومراوحتها وعدم ورودها في الأوقات المناسبة.

***

تصوَّروا مثلًا أن السلطة التنفيذية، ومعها السلطة التشريعية، ما زالت تُلهي المواطن بمشروع ​قانون الموازنة​ للعام 2019؟ ستة أشهر وما زلنا "في السيرة ذاتها"! يا سادة: ألم تزهقوا بعد؟ هل من ملف في العالم، هو ملف روتيني، يستهلك شهورًا ستة؟

تصوروا لو أن ​فرنسا​، على سبيل المثال لا الحصر، تتلهى في موازنتها منذ كانون الثاني الماضي وحتى اليوم؟ فماذا يمكن ان يحدث بالنسبة إلى الحكومة الفرنسية واستطرادًا بالنسبة إلى ​مجلس النواب​ الفرنسي؟ كل موازنات العالم تمشي "على الوقت" إلا في لبنان، وإذا سارت الموازنة فبتأخير ستة أشهر على الأقل، فأي موازنة تتحدثون عنها؟ وأي قوانين؟ وأي بلد؟

***

تتلهون بالموازنة فيما المنطقة قد تكون على شفير حرب! دائمًا تتأخرون في الإستحقاقات! المنطقة في حالٍ من الغليان فيما أنتم تتلهون في ضريبة الألف ليرة على "نفس النرجيلة".

هل تعرفون ماذا يعني ان تدق طبول الحرب في المنطقة؟

هل تعرفون ان الضحية الأولى للحرب هي اموال مؤتمر "سيدر"؟

وهل تعرفون أن من بين الضحايا، اللبنانيين الذين يعملون في الخليج الذين ستتأثر شركاتهم في حال اندلعت الحرب؟

ما هي خططُ الطوارئ التي وضعتموها في حال حدث ما لم يكن في الحسبان؟ أما زلتم مصرين على التلهي بالضريبة على "نفس النرجيلة".

***

الحربُ في المنطقة ليست مزحةً على الإطلاق، ومؤشراتُها يُحسَب لها ألفُ حساب:

يوم الخميس من هذا الاسبوع، أستُهدفت ناقلتا نفط بتفجيرات في خليج عُمان قرب السواحل الإيرانية.

ومنذ أسبوعين، هجومٌ استهدف أربعَ سفن قبالةَ سواحل الفجيرة، ولم يُعتبر مجردَ اعتداء على دولة ​الإمارات​ بل هو اعتداءٌ على الدول التي كانت تلك السفن تحمل أعلامها وعلى الملاحة البحرية بشكل عام.

***

ماذا تريدون أكثر؟ هل فكرتم بالخطط التي يجب ان تضعوها من أجل مواجهة عبء ​النازحين السوريين​ على لبنان؟ ها هو وزير العمل اللبناني كميل ابو سليمان، وفي مؤتمر العمل الدولي في جنيف، دق ناقوس الخطر من خلال كلمته أمام المؤتمر والتي قال فيها: "أن أهمّ التحديات التي يواجهها لبنان يكمن في العدد غير المسبوق للنازحين السوريين منذ بداية ​الأزمة السورية​ في العام 2011، ممّا يجعل حالياً من لبنان البلد الأول في العالم من حيث حجم النازحين نسبة إلى عدد مواطنيه، إذ تخطّى عدد النازحين السوريين ثلث عدد المواطنين في لبنان، هذا من دون احتساب أعداد اللاجئين من جنسيات أخرى".

هذه الكلمة، على أهميتها، قوبلت بموقف سلبي من الدولة المعنية، إذ انسحب الوفد السوري من المؤتمر أثناء إلقاء الوزير اللبناني كلمته، فهل هذا الإنسحاب هو اعتراض على مطالبة لبنان بإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم؟ ماذا ستفعل الحكومة اللبنانية حيال هذا الموقف؟ هل من استراتيجية؟ هل من خطة؟ هل من موقف؟ أم أن الأمور "سارْحة والرّبْ راعيها"؟

***

هل يُدرِك المسؤولون اللبنانيون انه مع دخول الأزمة السورية عامها التاسع، بات لبنان يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية ضخمة، تفوق قدرته على التحمل، نظراً إلى إمكاناته المحدودة؟

***

يبدو المسؤولون اللبنانيون في غُربةٍ عما يجري، فمتى يستفيقون من غُربَتِهمْ؟