مع عودة ​مجلس الوزراء​ إلى الإنعقاد بدءًا من يوم غد الثلاثاء، بعد توقّف إستمرّ نحو ثلاثة أسابيع، يتساءل الكثيرون عن موعد بتّ ملفّ ​التعيينات​، وما إذا كان هذا الملفّ سيُفجّر مُشكلة أو ربما مُشكلات بين أكثر من جهة سياسيّة مُمثّلة على طاولة المجلس. فما هي آخر المعلومات في هذا الشأن؟.

أوّلاً-إضافة إلى الوظائف الشاغرة حاليًا، من المُنتظر أن تشغر عشرات المراكز الإضافيّة خلال الأسابيع والأشهر القليلة المُقبلة، والمسألة غير محصورة بوظائف الفئة الأولى، حيث تشمل وظائف الفئتين الثانية والثالثة أيضًا. وفي هذا السياق، يُقدّر عدد مراكز الفئة الأولى التي ستفرغ بحلول نهاية العام الجاري بما لا يقلّ عن 43 وظيفة من أصل 160، يُضاف إليها نحو 240 مركزًا من وظائف الفئة الثانية (أي رئيس مصلحة) التي يبلغ عددها 940 وظيفة تقريبًا، إضافة إلى مئات مراكز الفئة الثالثة (أي رئيس دائرة) من أصل 1100 وظيفة تقريبًا.

ثانيًا-ملفّ التعيينات سيكون أولويّة أساسيّة خلال الأسابيع القليلة المُقبلة، لكن ليس بدءًا من جلسة يوم غد الثلاثاء التي ستُخصّص للبتّ في عشرات البنود العاديّة، بهدف تسيير عجلة الدولة بشكل طبيعي من جديد. وبحسب المعلومات، إنّ التوافق حول ملفّ التعيينات دُفعة واحدة مُستحيل، بسبب كثرة الوظائف الشاغرة من جهّة، والصراع السّياسي والطائفي على كثير منها من جهة أخرى. وبالتالي، سيتمّ التعامل مع ملف التعيينات على دُفعات مُتتالية، بحيث يتمّ في كل جلسة إقرار مجموعة من التعيينات المَحدودة، بدءًا من الأكثر أولويّة وإلحاحًا، على أن يسبق كل دفعة من هذه التعيينات مُشاورات كثيفة خارج قاعة مجلس الوزراء، وذلك بهدف تأمين أكبر قدر مُمكن من التوافق المُسبق عليها، بحيث تقتصر الجلسة على البتّ في الأسماء النهائيّة من قبل أعضاء السُلطة التنفيذيّة.

ثالثًا-الثنائي الشيعي هو الفريق الأكثر إرتياحًا في ملفّ التعيينات، كون الحصّة الشيعية في مُختلف الوظائف الرسميّة ستذهب لصالح كلّ من "​حركة أمل​" و"​حزب الله​"، من دون ضُغوط من جانب باقي الأفرقاء السياسيّين الذين يُقرّون جميعهم بهذا الواقع. من جهة أخرى، إنّ الخلافات ستكون على أشدّها بين "التيّار الوطني الحُرّ" من جهة وكل من حزبي "​القوات​ اللبنانيّة" و"تيّار ​المردة​" من جهة أخرى، ولوّ أنّ "القوات" و"المردة" سيُعارضان بشكل إفرادي وليس كثُنائي مُوحّد. وحتى هذه اللحظة لا توافق على الآليّة التي ستُعتمد لملء المراكز الرسميّة الشاغرة، حيث تُطالب "القوات" باعتماد آليّة واضحة ومُنصفة تُعطي الأولويّة لمبدأ الكفاءة، بينما يُطالب "المردة" بعدم إستبعاد أيّ فريق عن هذه التعيينات. في المُقابل، يعتبر "التيّار" أنّ الوقت حان لإستعادة المسيحيّين الحصّة التي كان يسطو عليها الآخرون، على أن يتم توزيع الحُصص وفق الحجم السياسي والشعبي لكل فريق، الأمر الذي سيُعيد "سيناريو" الخلافات نفسها التي كانت قد حصلت بين الأفرقاء المسيحيّين عشيّة تشكيل الحكومة الحالية وتوزيع عدد الوزراء على الجهات السياسيّة المُختلفة! أكثر من ذلك، إنّ الحصّة الدُرزيّة في التعيينات ستكون هي الأخرى محلّ تجاذب بين "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" من جهّة، وكل من "​الحزب الديمقراطي اللبناني​" و"​حزب التوحيد العربي​" من جهّة أخرى، حيث يرفض الأخيران إستئثار الأوّل بأغلبيّة التعيينات-كما كان يحصل في السابق، الأمر الذي لن يتنازل عنه "الإشتراكي" بسُهولة.

رابعًا-"تيّار المُستقبل" الذي حاول رئيسه، أي رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ إدخال رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، خلال الإجتماع إليه في قصر بعبدا ظهر الأربعاء الماضي، على خط تهدئة الوضع بين التيارين "الأزرق" و"البرتقالي"، يُريد من جهته إنقاذ التسوية الرئاسيّة مع "التيّار الوطني الحُرّ" وعدم الدُخول في سجالات جديدة معه، ولكنّه لا يريد من جهّة أخرى زيادة الهُوّة مع "الإشتراكي" أو التسبّب بأي خلاف مع "القوات" أو "المردة" في حال عدم قيامه بدور المُدافع عن حُصص مُختلف القوى السياسيّة على طاولة الحُكومة. والمُشكلة أنّه في حال ذهب بعيدًا في الدفاع عن مبدأ عدم إستئثار "التيّار الوطني الحُرّ" في المناصب الوظيفيّة الرئيسة في الدولة، سيكون مُضطرًا للتنازل بدوره عن الإستئثار الذي كان يحظى به في السابق لكامل حصّة الطائفة السنّيّة، لصالح قوى سنيّة أخرى، لا سيّما تلك المَحسوبة على قوى "8 آذار".

خامسًا-بحسب المعلومات أيضًا، إنّ التعيينات التي يُرجّح أن تطال بداية مناصب قضائيّة مختلفة، ومناصب ماليّة، إضافة إلى مناصب في مجلس الإنماء والإعمار، ستشهد خلافات مُرجّحة على الأعضاء الجُدد للمجلس الدُستوري، لما لهذا المجلس من دور رقابي حاسم على الكثير من قرارات السُلطة التنفيذيّة وغيرها، بينما سيكون تعيين شخصيّة جديدة في منصب مُدّعي عام التمييز أكثر سُهولة ضُمن عمليّة مُبادلة على مناصب أخرى لا تقلّ أهميّة. إلى ذلك، سيُساعد التوزيع المذهبي المُتعدّد لنوّاب حاكم مصرف لبنان، في تخفيف حجم الخلافات المُرتقبة عند تعيين نوّاب الحاكم الجُدد.

في الخُلاصة، لا تعيينات شاملة قريبًا، بل تعيينات بالتدرّج وعلى دُفعات خلال الأسابيع المُقبلة. ومهمّا جرى عقد جلسات تمهيديّة لتأمين أوسع توافق مُسبق على هذه التعيينات، فإنّ الخلافات ستُطلّ برأسها حتمًا على طاولة مجلس الوزراء، لأنّ أحدًا لن يتساهل إزاء سعي خُصومه أو حتى منافسيه لمدّ سيطرتهم على مُفاصل الدولة الأمنيّة والقضائيّة والإداريّة، إلخ...