في ضوء المُحادثات التي يُجريها ألكسندر لافرنتيف المُمثّل الخاص للرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​، والوفد المُرافق مع كبار المسؤولين ال​لبنان​يّين، عادت الآمال إلى إمكان إحداث خروقات في ملفّ النازحين السُوريّين. فما هي أبرز العقبات التي كانت لا تزال تحول حتى الأمس القريب دون إحراز التقدّم المَنشود في هذا الملفّ، وما هي الحُلول التي بحوزة الجانب اللبناني، وأين يُمكن الإستفادة من الدور الروسي؟.

بالنسبة إلى أبرز العقبات التي جعلت ملفّ النازحين يتحوّل مع الوقت إلى عبء كبير يرزح لبنان واللبنانيّون تحت كاهله، فهي:

أوّلاً: غياب الضوء الأخضر الإقليمي والدَولي، نتيجة إدخال ملفّ النازحين في سياق صراع المصالح بين الدول الكبرى وتلك المُؤثّرة في مُجريات الحرب السُوريّة، ومُمارسة ​الولايات المتحدة الأميركية​ ومعها مجموعة من الدول الأوروبيّة والعربيّة، ضُغوطًا على النظام السُوري لحمله على تقديم تنازلات، وذلك عبر تجميد تمويل عمليّة إعادة الإعمار وعودة النازحين ضُمنًا. وبحسب المعلومات المُتوفّرة فإنّ هذه المجموعة من الدول تربط الإفراج عن التمويل المطلوب، بالحُصول على تنازلات في ما خصّ ولاية الرئيس السُوري ​بشار الأسد​ والتي كان قد تمّ تجديدها في العام 2014 حتى العام 2021 المُقبل.

ثانيًا: غياب التوافق اللبناني الداخلي، حيث يتحدّث المسؤولون اللبنانيّون جميعهم عن ضرورة توفير العودة المُنظّمة والآمنة للسُوريّين النازحين من الناحية النظريّة، لكن ما إن يصل الموضوع إلى الإجراءات التطبيقيّة والميدانيّة، حتى تختلف النظرة، وتبدأ الخلافات، ويظهر التناقض في تحديد مسؤوليّة البلديّات ومرجعيّة القرار فيها، وُصولاً حتى إلى مرحلة تبادل التهم بين "عُنصري" و"فوقي" و"متآمر" ومُستفيد"، إلخ. وليس بسرّ أنّ رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، وبدعم من بعض القوى الداخليّة مثل حزبي "القوات اللبنانيّة" و"التقدمي الإشتراكي"، لا يزال حتى هذه اللحظة يرفض أيّ تنسيق مُباشر مع النظام السُوري، ويُصرّ على إعتماد القنوات الأمنيّة التنسيقيّة التي جرى فتحها من قبل الأمن العام اللبناني بقيادة اللواء عبّاس إبراهيم، وذلك منعًا لما يُقال عن تعويم النظام السُوري من دون تحقيق أيّ مكسب في ملفّ العودة، بينما يعتبر "التيّار الوطني الحُرّ"، مدعومًا من جهات سياسيّة وحزبيّة مُختلفة محسوبة على قوى "8 آذار"،أنّ حلّ المُشكلة يستوجب التنسيق مع دمشق.

ثالثًا: رفض البعض من النازحين السوريّين مُغادرة لبنان بشكل طوعيّ، إمّا بسبب ادعاءات او تبريرات أمنيّة–سياسيّة، كون البعض من المحسوب على جهات مُعارضة للنظام السُوري، وهم يخشون بالتالي على حياتهم في حال العودة، وإمّا لأسباب إقتصاديّة لأنّ بعضهم حسّن واقعه المعيشي والحياتي خلال وجوده في لبنان، من خلال فرص العمل المُتاحة، وعبر الإستفادة من مُساعدات المُنظّمات الدَوليّة التي تُعنى بشؤونهم، وهم يتهرّبون بالتالي من فُقدان هذه الإمتيازات التي حصلوا عليها في لبنان، بغضّ النظر عن موقفهم من الرئيس بشّار الأسد!.

في المُقابل، يُمكن الحديث عن مُحاولات لبنانيّة حثيثة حاليًا لإيجاد الحُلول المُناسبة لملفّ النازحين، بمُساعدة خارجية أو من دونها، مع تقدير كبير للدور الروسي المُساعد. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: صحيح أنّ ​روسيا​ يمكنها تأمين غطاء سياسي ومعنوي للعودة، لكنّ الأصحّ أنّها عاجزة عن تأمين التمويل المالي الضروري لها. وبالتالي، إنّ الدور الذي يسعى الوفد الروسي حاليًا لبحث تفاصيله مع الجانب اللبناني يتركّز على قدرة موسكو على التواصل مع النظام السُوري، لتأمين مظلّة أمنيّة وسياسيّة تُطمئن السوريّين العائدين، مع طلب تخفيف الإجراءات القانونيّة بحقّ المُخالفين منهم، لا سيّما أولئك المُتهرّبين من الخدمة العسكريّة والمُرتكبين لغيرها من المُخالفات. كما سيتطرّق البحث إلى دور موسكو في تأمين التنسيق بين القيادات المعنيّة في كلّ من لبنان وسوريا، لتسريع وتيرة العودة، ولزيادة عدد العائدين المعنيّين بها، بشكل يفوق ما يجري منذ مدّة عبر جُهود الأمن العام. ويُنتظر أن ينقل الوفد الروسي الموجود حاليًا في لبنان خلال إجتماعاته إلى كبار المسؤولين اللبنانيّين، تفاصيل عملانيّة للمبادرة الروسيّة في هذا السياق، والتي كان رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ قد تناقش فيها مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته إلى موسكو في آذار الماضي، علمًا أنّ بوتين نصح عون في حينه بضرورة فتح أبواب التواصل المُباشر بين السُلطات المعنيّة في كل من لبنان وسوريا، لتأمين العَودة الجَماعيّة المُنظّمة، على أن تقوم موسكو بدور مُساعد. وفي المعلومات أيضًا أنّ الوفد الروسي سيحثّ الجانب اللبناني على المُشاركة في تمّوز المقبل في الدورة رقم 13 من المؤتمرات المُتسلسلة في العاصمة الكازاخستانية، وذلك ليكون على بيّنةٍ مُباشرة من المُحادثات التي ستتطرّق في جانب منها إلى مسألة عودة النازحين.

ثانيًا: يسعى رئيس الجمهوريّة إلى توفير الغطاء السياسي الداخلي لعمليّة العودة، بالتنسيق مع وزير الخارجية والمُغتربين ​جبران باسيل​ الذي يقوم بدوره بحركة دبلوماسيّة ناشطة في هذا السياق. حتى أنّ "التيّار الوطني الحُر" الذي يقوم بحملات ميدانية تجاه النازحين لتسليط الضوء على الموضوع، على الرغم من بعض الإعتراضات والإتهامات التي تطال أسلوبه في التعاطي مع هذا الملفّ، سيُغطّي سياسيًا الخطّة الميدانيّة التي أعدّها فريق عمل وزير الدولة لشؤون النازحين ​صالح الغريب​، والتي يُنتظر أن تُطرح على طاولة النقاش في وقت غير بعيد. وبحسب المعلومات أيضًا، سيطلب لبنان من روسيا مُساعدته في جُهوده الرامية إلى تفعيل تواصل القنوات الدبلوماسية اللبنانيّة مع بعض المسؤوليّين الغربيين ومع ممُثّلي البعثات والمُنظمات الحُكوميّة وغير الحُكوميّة التي تُعنى بشؤون النازحين، لعرض الخطة المرسومة لإعادتهم عليها بشكل مُفصّل، في ظلّ عزم الدبلوماسيّة اللبنانيّة على الطلب من هذه الأطراف مُجتمعة، تحويل مُساعدتها العينيّة والماليّة للنازحين السُوريّين، من أماكن إقامتهم في لبنان، إلى الداخل السُوري.

ثالثاً: الحملات الميدانية الكثيفة التي بدأتها كلّ من وزارتي الإقتصاد والعمل لتنظيم اليد العاملة غير اللبنانيّة في لبنان، ولا سيّما منها اليد العاملة السُوريّة، ستتواصل في المرحلة المُقبلة، بالتزامن مع تكثيف عمليّات الدهم التي تهدف إلى التحقّق من أوراق إقامة السُوريّين في لبنان. ومن شأن هذه الإجراءات مُجتمعة، حثّهم جميعهم على تسوية أوضاعهم القانونيّة، لجهة الإستحصال على أوراق إقامة شرعيّة، ولجهة الإستحصال على رخص عمل قانونيّة.

في الخُلاصة، لا حلّ سحري لأزمة النازحين، ولا حلّ خلال أسابيع أو حتى أشهر قليلة، في ظلّ التعقيدات المحليّة والإقليميّة والدَوليّة لهذا الملفّ، وكذلك في ظلّ تشعّباته السياسيّة والأمنيّة والطائفيّة وإرتباطه بالمصالح وبالصراعات على الساحة السُوريّة. لكنّ الأكيد أنّ الملفّ صار موضوعًا على نار حامية، ولم يعد مُهملاً وفي مرحلة التأجيل والتجاهل–كما كان الوضع عليه في السابق. ويبقى السؤال: هل ستنفّذ موسكو وُعودها بالمُساعدة، وهل سيمرّ الملفّ بدون خلافات داخليّة عقيمة؟.