لبنان​ دولة نفطية. ماذا بعد؟ في مكانك راوح. لماذا لم يبدأ التنقيب بعد؟ أيّ عاقل مراقب لإدارة شؤون الدولة يجد أنّ هذا البلد يُدار على طاقة الفحم الحجري. بطء رهيب ومقيت في تحقيق "النهضة" لا بل بالعكس عودة الى الوراء للبحث عن سبل "إنقاذ".

لبنان الصغير بحجمه قادر ان يكون تنافسياً في ​الشرق الأوسط​ فيما اذا استطاع استثمار ثروته النفطية التي تقدر باحتياطي نفط وغاز بقيمة ٢٠٠ مليار دولار بحسب الدراسات. هذا محسوم ولكن السؤال المركزي المطروح:

-أي جهة رسمية وضعت الاستراتيجية الوطنية الاستثمارية النفطية في لبنان؟!.

بدون هذه الرؤية والخطة قد يتحول التنقيب عن ​النفط والغاز​ الى نقمة وهدر وفساد وسوء إدارة وخسارة. ما لا يريد الاعتراف به بعض ساسة لبنان هو أننا في أزمة نظام. هذا النظام مدين للرئيس الراحل ​فؤاد شهاب​ بإنشاء وتأسيس معظم مؤسساته العامة. ولكن، في ٢٠١٩ هذه المؤسسات لم تعد كافية. أي بلد تحدث فيه هزّة بنيوية لا سيما على مستوى اكتشافات للثروات، لا بد من ان يبحث عن آلية إنشاء نظام بنيوي جديد، فالدولة برمتها في حالة تحوّل. الهيكلية الحديثة تحتاج لأصحاب خبرات محليين وأجانب لوضعها. من واجب القيّمين على الدولة إنشاء هيئة موقتة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحكومة مهمّتها وضع دراسة وتنفيذ نظام مؤسساتي وقانوني ومصرفي ومالي وضرائبي وأمني حديث يُعنى بالمستقبل الاقتصادي والمالي والاستثماري النفطي في لبنان.

لا شك ان ذلك يحتاج أموالا. ولا شك ان مؤتمرا كمؤتمر "سيدر" وقبله "باريس١" و"باريس٢" لما تلكأوا عن تمويل "بنى تنظيميّة" مدروسة ستدرّ على الدولة أموالا مستقبليّة لا تدرّها "البنى التحتيّة" كالجسور والطرقات. بالنهاية انها قروض مضمونة الدفع.

مشاكل السياسة في لبنان عديدة ابرزها عقدة الأشخاص. نعم، مشكلة لبنان الأكبر ليست الطائفية السياسية لا بل الشخصانيّة السياسيّة. اعتاد النهج السائد على ربط مصالح الدولة بالأشخاص، لا بالمشاريع الملزمة. والأسوأ في هذا الإطار رهبة تغيير الأشخاص. أمام أي استحقاق وطني تبرز الاسامي ارتباطاً وثيقا برهبة اهتزاز الأمن القومي. أي بلد هذا تقف مرافقه ومصالحه وأمنه واقتصاده وماليّته عند حدود الأشخاص؟!.

الشخصنة السياسية أولى وجوه ركود الدولة. أمام التحديات الإقليميّة والدوليّة لبنان قادر ان يكون لاعبا أساسياً فارضا لشروطه لا متلقيا لتهديدات وعقوبات. الشخصنة السياسية تضع الدولة في مرتبة متأخرة عن الخطوط الأمامية.

يخاف البعض في لبنان من المسّ بالدستور لاعتبارات وطنية او طائفية اوشخصية؛ والتغيير الهيكلي والبنيوي يحتاج لتعديلات دستورية. معضلة لا حلّ لها قريبا. ولكننا، دولة نفطية والنفط ثروة وسلاح. والسلاح مسؤولية.

بالمقابل، ​الاقتصاد اللبناني​ يهرَم والمواطن متعب. ​الثروة النفطية​ راكدة في البحر والبر بانتظار الإفراج عنها. جداول أعمال الحكومات في علب كرتونية توزع بالاف الأوراق على الوزراء لدراستها. هنا الوزير يدرس كل الملفات ويصوّت عليها.

هناك في العالم، النفط يُصدّر بالبراميل والغاز بالأنابيب، ناقلات النفط تُستهدف وثابت أنّ السيّاسة الكرتونيّة لا تصلح لبلاد النفط.