الموازنة​ العامة للعام 2019 تترنَّح وتتهاوى وتكاد أن تُصبح جوفاءَ وخالية من أي مضمون، وكلما تقدَّم درسها في ​لجنة المال والموازنة​، تمهيدا لرفعها إلى الهيئة العامة في ​مجلس النواب​، كلما اكتشف الرأي العام ان الجلسات العشرين ل​مجلس الوزراء​، لانضاج الموازنة، ذهبت سدى.

***

هذا الكلام ليس في الهواء، بل إن متابعة مناقشات مجلس النواب، تثبت هذه الحقيقة:

مشروع ​قانون الموازنة​، الآتي من مجلس الوزراء، فرض رسمًا على رخص حمل السلاح وعلى الزجاج "الفوميه"، هذه المادة أُسقطت في لجنة المال والموازنة.

لم يقتصر الأمر على إسقاط هذه المادة بل تم تعليق المادة ٦٣ المرتبطة بالـ٢٪ على البضائع المستوردة، وسبب التعليق، كما أعطي، هو لصياغة جديدة تأخذ في الاعتبار اقتراحات النواب ووزير المال لاستثناء بضائع استهلاكية يومية.

لكن على الأرجح فإن هذا البند سيسقط لأن هناك كتلًا نيابية كبيرة ضده لأنهم يعتبرونه ضريبة إضافية مقنَّعة، فالتاجر الذي سترتفع الرسوم على بضائعه 2 في المئة إضافية، سيزيد هذه الضريبة على المستهلك، ما يعني ان المواطن هو الذي سيتحمل الكلفة في نهاية المطاف.

***

ورفع الرسوم على ​المقالع والكسارات​ لن يحقق الغاية المرجوة للأسباب التالية:

هناك في لبنان 1300 مقلع وكسارة، لكن المرخص منها لا يتجاوز الثلاثين، فالحكومة امام هذه الحال لا تستطيع ان تستوفي إلا مما هو مرخص، وعليه ، ما النفع ان تستوفي من ثلاثين فقط، هي المرخصة، وتُهمِل ما تبقَّى، أي ما يقارب 1270 مقلعاً وكسارة.

وما لم تستطع في الأعوام الماضية إرغام اصحاب المقالع والكسارات والمرامل على نيل الترخيص، فكيف ستستطيع اليوم؟ وحين كانت قيمة الترخيص قرابة الثلاثة ملايين ليرة، لم يتقدم احد بالترخيص، فكيف حين تقترح الحكومة ان يصبح الترخيص خمسين مليون ليرة؟

ثم إن بند المقالع والكسارات يسمح بالطلب الى أصحاب المقالع والكسارات سداد كافة الضرائب والرسوم على سنوات الاستثمار منذ العام 2004، فهل بإمكان الحكومة تحقيق هذا الهدف؟

***

الطامة الكبرى مسألة العشرة آلاف مليار ليرة التي تطلبها الحكومة بفائدة واحد في المئة:

المصارف أعلنت رفضها الإكتتاب بهذا المبلغ الكبير والهائل ما لم تتحقق خطوات إصلاحية، والارجح أنها لن تتحقق. عند هذا الحد أخذ ​مصرف لبنان​ على عاتقه الإكتتاب بهذا المبلغ، لكن السؤال سيبقى: من أين سيوفر هذا المبلغ؟ هل من خلال طبع عملات جديدة؟

***

لقد وصلت الحكومة ومجلس النواب معًا إلى ساعة الحقيقة: لا وفر ولا تقشف في المدى المنظور، وقريبا سيكتشف الجميع ان خفض العجز إلى 7 ونصف في المئة لن يكون سوى وهم، لأن العجز سيكون اعلى من ذلك بكثير.

يكفي ان نضع في بالنا أن الصرف على القاعدة الإثنتي عشرية سيُمدد إلى منتصف تموز، فماذا سيبقى من سنة الموازنة في هذه الحال؟

***

نردد الكلام الواعي والخطير والضميري لفخامة ​الرئيس ميشال عون​، الذي أدلى به للزميلة "الشرق الأوسط":

"أصبح الوضع في لبنان أشبه بسفينة التيتانيك، التي تغرق ببطء، بينما ركابها يرقصون في صالوناتها غير مدركين للخطر الملم بها، الى ان وقعت الكارثة".

فماذا نقول أو نفكر أو نكتب أو نحلم بعد كلام فخامة الرئيس عون؟؟

وإن نجا 706 من أصل 2223 شخصاً من كارثة التيتانيك، لأنه لم يكن على متنها إنذاك سياسي لبناني، من المركب الأضخم بالتاريخ المعاصر الذي نحن فيه اليوم.

شكراً فخامة الرئيس عون، ليرفقوا بحياتنا قبل الغرق.

كانت صلوات أمهاتنا: "يا رب لا تموّتنا لا غريق ولا حريق ولا تشحُشط على الطريق".

الرحمة على ارواحهن، رحلن مكرّمات قبل هذه الأيام السوداء.