قرار عدم مُشاركة ​لبنان​ في المُؤتمر الدَولي الذي سيُعقد في ​البحرين​ يوميّ الثلاثاء والأربعاء المُقبلين إتخذ منذ مدّة طويلة، وليس خلال الساعات الماضية كما تردّد إعلاميًا. وقد صدرت خلال الأسابيع والأشهر القليلة الماضية تصريحات عدّة في هذا الإتجاه، من بينها صدر عن رئيس الدبلوماسيّة اللبنانيّة، وزير الخارجيّة والمُغتربين ​جبران باسيل​ الذي أعلن عدم حُضور بيروت المُؤتمر المذكور في مُقابلة مع شبكة "سي أن أن" الأميركيّة في 11 حزيران الحالي (1). فما هي الأسباب التي دفعت لبنان الرسمي إلى إتخاذ هذا القرار من دون تردّد؟

أوّلاً: من الناحية المَبدئيّة لا يُشارك لبنان في أيّ مؤتمر أو حتى إجتماع تكون ​إسرائيل​ حاضرة ومُمثّلة فيه، باستثناء إجتماعات مجلس الأمن الدَولي التي تجمع مُمثّلين عن مُختلف دُول العالم. وبالتالي، لا يُمكن أن يتمثّل لبنان إلى جانب إسرائيل في المُؤتمر – بغضّ النظر عن حجم التمثيل الدبلوماسي وعن غايته.

ثانيًا: من الناحية الإقتصاديّة، لا يُمكن للبنان الدُخول في أيّ عمليّات إقتصاديّة أو ماليّة أو تجاريّة أو إستثماريّة تكون إسرائيل شريكًا مُباشرًا أو حتى غير مُباشر فيها، تطبيقًا لقانون مُقاطعة إسرائيل الصادر في 23 حزيران من العام 1955 (2)، علمًا أنّ مؤتمر البحرين الذي يُعقد تحت عناوين إقتصاديّة وإستثماريّة يُخفي خلفيّات سياسيّة وديمغرافيّة خطيرة جدًا على دول المنطقة.

ثالثًا: من الناحية السياسيّة لا يُمكن للبنان المُشاركة في تأمين التغطية المَعنويّة والسياسيّة لمُؤتمر البحرين، بغضّ النظر عن العناوين التي يسعى مُعدّو المؤتمر لترويجها بهدف إنجاحه، ومنها طبعًا رفع المُستوى الحياتي والمعيشي للشعب الفلسطيني الذي بقي في أرضه، عبر الترويج لمبدأ "السلام من أجل الإزدهار"، والسبب أنّ الفلسطينيّين أنفسهم - وبمختلف توجّهاتهم السياسيّة، قرّروا مُقاطعة هذا المؤتمر، لأنّه يُعتبر مُحاولة مكشوفة للتمهيد للتطبيع الكامل مع اسرائيل من دون أن تُقدّم هذه الأخيرة أي تنازلات في ما خصّ الإنسحاب من الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة أو السماح بعودة اللاجئين إلى أرضهم، ما يعني عمليًا تقديم الجوانب الإقتصادية على التسوية السياسيّة المُنتظرة منذ مُنتصف القرن الماضي!

رابعًا: إضافة إلى الجانب الفلسطيني المَعني مُباشرة بالمؤتمر، أعلنت العديد من الدول العربيّة مُقاطعتها لأعماله، في حين لا تزال بعض الدُول العربيّة الأخرى مُتردّدة حتى اللحظة، في دليل على عدم الإقتناع بهدف مُؤتمر البحرين الذي يُمهّد – بحسب رأي العديد من المُحلّلين، لما بات يُعرف بإسم "​صفقة القرن​" التي هي عبارة عن تسوية سياسية من تحضير الإدارة الأميركيّة الحاليّة تصبّ في صالح إسرائيل بشكل فاضح. ولا يُمكن بالتالي للبنان أن يكون من ضُمن الدول القليلة التي ستؤمّن التغطيّة السياسيّة والمعنويّة لهذا المؤتمر، حتى لوّ عبر إرسال بعثات ذات صفة تمثيليّة غير رسميّة ولا رفيعة.

خامسًا: من بين أهداف المُؤتمر الأساسيّة تأمين الإستثمارات المالية لإطلاق المشاريع في الأراضي الفلسطينيّة، وهذا الأمر جيّد لو أنّه يترافق مع تأمين حق العودة للاجئين، أمّا وأنّ هذا البند مُهمل كليًا، لبل هو محلّ رفض تام، من جانب مُعدّي التسوية السلميّة المُنحازة، فهذا يعني أنّ اللاجئين الفلسطينيّين سيبقون في الدول التي تستضيفهم منذ عُقود طويلة. وبالتالي، لا يُمكن للبنان المُساهمة بأي شكل من الأشكال في مُحاولات توطين الفلسطينيّين في أماكن وُجودهم، لما لهذا الأمر من ضرر ديمغرافي مُدمّر على مُجتمعه المتنوّع والحسّاس من الناحيتين الطائفيّة والمذهبيّة، إضافة إلى باقي الضرار الأمنيّة والإقتصاديّة، إلخ.

في الختام، صحيح أنّ المنامة ستستضيف في نهاية المطاف المؤتمر بمن حَضر، وصحيح أنّ عددًا من الدول العربيّة سيُشارك في أعماله – ولوّ عبر وُفود بصفة تمثيليّة مُتواضعة نسبيًا، إلا أنّ الأصحّ أنّ موقف لبنان مُوحّد بعدم جدوى المُشاركة، لبل لبنان مُحقّ في تخوّفه من الأضرار المُرتقب أن يتركها المُؤتمر عليه، وفي طليعتها إهمال قضيّة اللاجئين الفلسطينيّين، أي عمليًا ضرب القضيّة الفلسطينيّة في الصميم، مع كل ما لهذه الخُطوة من أضرار فادحة على لبنان.

(1) قال باسيل: "لن نُشارك في مؤتمر البحرين لأنّ الفلسطينيّين لن يُشاركوا، ونفضّل أن تكون لدينا فكرة واضحة عن الخطة المَطروحة للسلام حيث أنّنا لم نُستشر بشأنها ولم نُبلّغ عنها"، مُذكّرًا بأنّ "لدى لبنان أراض مُحتلّة، وفيه عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيّين منذ عام 1948".

(2) يتضمّن القانون المّذكور 13 بندًا، وهو يحمل توقيع الرئيس اللبناني آنذاك كميل شمعون.