تستمر المواجهة بين ​إيران​ والولايات المتحدة الأميركيّة بالتصاعد منذ وصول الرئيس ​دونالد ترامب​ الى رأس هرم ​الإدارة الأميركية​. إلا أن الأيام والأسابيع الماضية كانت الأكثر توتراً على هذا الصعيد. والجديد في هذه المواجهة، هو ما حصل صباح يوم أمس حين أسقطت الدفاعات الجويّة الإيرانية طائرة استطلاع أميركيّة من طراز MQ-4C Triton فوق ​مضيق هرمز​، لتكون أحدث رسالة عسكريّة مباشرة من طهران باتجاه واشنطن.

في بداية الشهر الجاري، اعتبر الممثل الأميركي الخاص بشأن إيران برايان هوك أن إيران تفبرك الصور لخلق انطباع زائف عن قدراتها العسكريّة والصاروخيّة. لكن ما حصل في سماء مضيق هرمز، كان جواباً على ذلك، للتأكيد أنّ إيران لن تكون لقمة سهلة لأميركا في حال أرادت المواجهة العسكريّة.

الرواية الإيرانيّة لأحداث هرمز كانت واضحة بأنّ الطائرة الأميركية دخلت المجال الجوّي الإيراني ما يبيح استهدافها. كما أنّ طائرة التجسس المسيّرة انطلقت من إحدى قواعد القوّات الأميركيّة جنوبي الخليج، قبل أن تطفئ جميع أجهزة الملاحة خلافًا للقوانين الدوليّة وذلك منعا لاكتشافها. من ثم توجّهت الطائرة نحو منطقة "كوه مبارك" في إقليم هرمزغان الجنوبي متخفّية، محاولة جمع المعلومات والتجسس على إيران. إلا أن قوات "الجو-فضاء" الإيرانيّة تمكنت من رصدها وضربها فور دخولها المجال الجوي الإيراني.

إلا أنّ المسؤولين الأميركيين رفضوا هذه الرواية، معلنين أنّ الطائرة كانت في جولة روتينيّة فوق المياه الدوليّة. واللافت في الموضوع أنّ الطائرة كانت تحلّق فوق منطقة قريبة من موقع التفجير الذي استهدف ناقلتي النفط النرويجيّة والصينيّة قبل أسبوع في بحر عمان.

إنّ عمليّة استهداف الطائرة الأميركيّة لا يطرح فقط أسئلة عن جديّة إيران في مواجهة أيّ تهديد أميركي، بل أيضاً يطرح تساؤلات عن القدرات العسكريّة التي باتت تمتلكها طهران، والتي كانت تظن واشنطن أنها "صور فوتوشوب" حسب تعبير الممثّل الأميركي الخاص بشأن إيران. والسلاح المستخدم في عمليّة يوم أمس، هو منظومة دفاع جوّي من تصنيع مركز الابحاث الدفاعيّة الراداريّة للحرس الثوري، وتحمل اسم "3 خرداد" وبإمكانها الإشتباك مع أيّ هدف على ارتفاع 27 كلم ومدى 75 كلم. كما تستطيع المنظومة الصاروخية المذكورة اعتراض 4 اهداف في آن واحد، بجانب اطلاقها 8 صواريخ من طراز "طائر"، حيث تمتلك قابليّة استهداف الطائرات المقاتلة والقاذفة للقنابل وصواريخ كروز على مستوى ارتفاع 25 كيلومترا في الجو.

من الجانب الأميركي، لهذه الطائرة أهميّة كبيرة على المستويين المالي والاستراتيجي. لأن التي أُسْقِطَت تضم أدقّ أجهزة التجسّس والتصوير وتكلفتها تبلغ قرابة 220 مليون دولار أميركي. كما أنها تُعتبر من أكثر طائرات التجسس الأميركية تطوّراً، إضافة الى أن حجمها الكبير نسبة إلى باقي الطائرات المسيّرة يساعدها على الصمود في حال ارتفعت إلى مستويات عالية أثناء الطيران.

كما تعيد هذه الحادثة إلى الأذهان ما حصل منذ أيّام، حين أعلنت ​السلطات الأميركية​ عن محاولة إيرانيّة فاشلة باسقاط طائرة استطلاع أميركيّة. يومها ابتعد الصاروخ عن الهدف مسافة 1 كم. وبالتالي، تطرح أحداث أمس فرضيّة أن فشل العمليّة الأولى لم يكن سببه نقصاً في المعدات أو فشل تقني إيراني، بل كان رسالة تحذيريّة لأميركا فقط، إلا أنّ واشنطن لم تتلقّ هذه الرسالة إلا بعد اسقاط طائرتها في سماء مضيق هرمز.

ما إن حصلت حادثة إسقاط الطائرة المسيّرة، حتى ارتفع سعر خام "برنت" أكثر من دولارين، ما يدلّ على ان المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران وأميركا، في حال حصلت، ستكون نتائجها على العالم أجمع وليس فقط على منطقتنا. فهل فهمت واشنطن الرسالة الإيرانيّة هذه المرّة، أم أن ترامب سيقود المنطقة إلى المواجهة الكبرى؟.