لا يختلف إثنان على أنّ الوضع في ​مضيق هرمز​ ومياه الخليج حذر ودقيق جدًا، نتيجة تصاعد التوتّر بين الجُمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة و​الولايات المتحدة​ الأميركيّة، في ضوء الهجمات المُتفرّقة التي تعرّضت لها بعض السفن التجارية وناقلات النفط. وفي الوقت عينه، يستبعد أغلبيّة الخُبراء في شؤون ​الشرق الأوسط​، إنزلاق الوضع في المنطقة إلى حرب، على الرغم من إسقاط الدفاعات الجويّة الإيرانيّة طائرة أميركيّة مُسيّرة، وتراجع الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ عن تنفيذ ضربة عسكريّة إنتقاميّة محدودة ضُدّ إيران. فما هي أسباب هذا الإطمئنان؟.

أوّلاً-خلال الحرب العراقيّة الإيرانية في حقبة الثمانينات تعرّضت الملاحة البحريّة في مضيق هرمز والخليج عُمومًا، لهجمات مختلفة على مدى سنوات، عبر الطوربيداتوالألغام البحريّة و​الصواريخ​ البحريّة والجويّة، الأمر الذي أسفر عن تدمير ما مجموعه 546 سفينة تجارية و​ناقلة نفط​، وعن مقتل ما لا يقلّ عن 430 بحّارًا مدنيًا، إضافة إلى جرح مئات البحّارة، لكنّ هذا الأمر لم يُسفر عن إغلاق المضيق المّذكور، بل عن بلبلة في عمليات التصدير، وبالتالي عن إرتفاع أسعار النفط، نتيجة زيادة أسعار التأمين وتكاليف الشحن والتصدير عُمومًا. واليوم، لن تقوم إيران بإغلاق مضيق هرمز بشكل كامل، لأنّها بكل بساطة لا يُمكنها تحمّل تبعات قطع إمدادات نحو 40 % من النفط الخام العالمي. وبالتالي، إنّ أقصى ما يُمكنها القيام به هو تكرار ما قامت به خلال الحرب التي كانت مُتورّطة فيها كليًا في ثمانينات القرن الماضي، أي عرقلة عمليّات تصدير النفط بشكل جزئي، لكن من دون أن تُعلن مسؤوليّة ذلك، والإيحاء بأنّ أطرافًا أخرى تريد توريط إيران في حرب تُنفّذ هذه الهجمات.

ثانيًا-لا نيّة لإيران بالدُخول في حرب مُباشرة مع الولايات المتحدة الأميركيّة أو سواها، لأنّها بكل بساطة نجحت في تحقيق نتائج إيجابيّة عدّة لصالحها، عبر تطبيق منطق الحرب غير المُباشرة. فعمليّات تمويل وتسليح وتدريب جماعات مُوالية لها في أكثر من دولة عربيّة، أمّنت لها يدًا طولى في كثير من المواقع الجُغرافيّة الحسّاسة، وأعطى ​طهران​ كلمة وازنة في العديد من الصراعات الإقليميّة. وبالتالي، هي ماضية قُدمًا في "حروب الواسطة"–إذا جاز التعبير، لأنّها أكثر فعاليّة، من دون أن يكون هناك إرتدادات سلبيّة مُباشرة على الأراضي الإيرانيّة أو على الشعب الإيراني. وفي الوقت عينه، لن تتردّد إيران بإبقاء مُستوى التوتّر عاليًا، وبالقيام بخطوات تصعيديّةومحدودة، على أمل إستجرار تدخّلات دَوليّة ووساطة ما، من شأنها رفع الحظر النفطي الأميركي عن صادراتها.

ثالثًا-لا نيّة للولايات المتحدة الأميركيّة بالدُخول في أيّ حرب مُباشرة مع إيران، حيث أن لا خطر مُباشر على المصالح الأميركيّة ممّا يجري، علمًا أنّ سياسة العُقوبات الإقتصاديّة القاسية التي تُنفّذها الإدارة الأميركيّة، بالتزامن مع مُمارستها لضُغوط سياسيّة وإعلاميّة كبيرة ضُدّ إيران، أعطت ثمارها، لجهة تضرّر الإقتصاد الإيراني بشكل قاس جدًا، والتسبّب بتراجع المداخيل الماليّة للنظام الإيراني بشكل غير مَسبوق. وقد إستفادت واشنطن أيضًا من الأجواء الحاليّة المُتوتّرة والضاغطة، لزيادة حجم صفقات بيع الأسلحة والمعدّات العسكريّة لدول المنطقة المُصنّفة مُؤيّدة لها، وبالتالي لا مصلحة لها في إزالة "البُعبُع" الإيراني، بل بإضعافه فقط، وبوضع ضوابط لمخاطره، مع الإشارة إلى أنّ واشنطن تراجعت عن توجيه ضربة عسكريّة إلى طهران، لأنّها تُدرك أنّ شنّ ضربة عسكريّة ضُدّ إيران–ولوّ صغيرة ومحدودة، سيجلب ردًّا إيرانيًا بطابع أمني، وهو ما قد يقود إلى سلسلة من الضربات والردود المُتبادلة، وبالتالي إلى مُواجهة واسعة لا يريدها أحد–أقلّه في المدى المنظور.

رابعًا-على الرغم من أن لا حرب مُباشرة بين واشنطن وطهران في المدى المنظور، فإنّه ما لم يجلس الطرفان على طاولة المُفاوضات، إن بشكل مُباشر أو غير مُباشر عبر الوساطات الدَوليّة المُتعدّدة القائمة، فإنّ "الكباش" بين الطرفين سيستمرّ. وليس بسرّ أن أحد أوجه هذا "الكباش" يتمثّل في قطع واشنطن الشريان المالي لإيران، وفي سعي طهران للردّ عبر مُحاولة ضرب الشرايين المالية لدول الخليج. وبالتالي، من المُتوقّع إستمرار الهجمات على السُفن والناقلات في مضيق هرمز والمنطقة البحريّة المُحيطة، وكذلك إستمرار الهجمات الصاروخيّة والجويّة ضُدّ أهداف في المملكة العربيّة السُعوديّة، مع توقّع توسيع دائرة الهجمات لتشمل دولة الإمارات.

في الخُلاصة، لا حرب مُباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأميركيّة! لكن في المُقابل، لا سلام مُرتقب بين الطرفين أيضًا! وبالتالي، الصراع في الشرق الأوسط مُستمرّ، وهو يأخذ أوجهًا عسكريّة وحربيّة مُختلفة، إلى جانب الوجه الإقتصادي الحاد. ومن المُنتظر أن يستمرّ التصعيد الأمني–لكن المضبوط، إلى حين إنطلاق مُحادثات جديدة بين واشنطن وطهران، ترمي إلى تنظيم الخلاف بينهما من جديد، وإلى رسم خريطة طريق لحلّ الكثير من المشاكل الإقليميّة العالقة، من سوريا مُرورًا بالعراق وُصولاً إلى اليمن، ومن حركة الملاحة في مضيق هرمز مُرورًا بتهديد الأمن الإسرائيلي وُصولاً إلى الملف النووي!.