قد يَكون مِن المُتأَخِّر جدًّا الحَديث عن عَدم جَدْوى الرُّكون إِلى "كاميرات" المُراقَبة في الامْتِحانات الرَّسْميَّة، بعدَما انْقَضى أَمْرٌ لا بدَّ منه... غير أَنَّنا كُنَّا من أَوائل المُعَبِّرين عن اعتِقادِنا بِعدم وجوب الرَّبْط بين الكاميرات تلك، وتَحْسين مُستَوى الشَّهادة الرّسميَّة، إذ لا عَلاقة لهذا بِذاك، لا بل إِنَّ قرارَ إِدْخال الكاميرات إِلى قاعات الامْتحانات الرَّسْميَّة، كان إِهْدارًا للمال في وقتٍ تَحْتاج المَدارس الرَّسْميَّة إِلى أَلْف وسيلةٍ ووسيلةٍ لتَأْمين الحدِّ الأَدْنى من مُتطلِّبات التَّعلُّم في ظروفٍ أَفْضل في المَدارس الرَّسْميَّة...

غير أَنَّني قرَّرْت اليوم أَنْ "أَبقَّ البَحْصة"، بعدما اطَّلَعْتُ على تقاريرَ تَرْبويَّةٍ تَصف دُخول "التِّكْنولوجيا في صراعٍ جديدٍ وتحدٍ في مُنْتهى الصُّعوبة مع مُراقِبي الامْتحانات" في الدُّول المتقدِّمة الّتي لم تُؤمِن يَوْمًا بجَدْوى الكاميرات، فيما النَّاس عائِدةٌ من حَجٍّ نحن ذاهِبون إِلَيْه مِن غَير هِدايَةٍ!...

قُدرات تِكْنولوجيَّة

كشَفت التِّكْنولوجيا الحَديثة عن قُدْراتها اللامُتناهيَة على نقل المَعْلومات. كما وساعد التَّطوُّر التِّقنيّ والرَّقْميّ في "اسْتِحداث المُتعلِّمين وسائل غِشٍّ حَديثةٍ" وصعبة الكَشْف، كما وتَحْتاج إِلى مَهاراتٍ اسْتِثنائيَّةٍ لدى المُراقبين، لكشف تَجاوزات بَعْضِ المُتَعلِّمين أَثْناء الامْتِحانات...

وتَكْمُن الصُّعوبة في أَنَّ كُلَّما رُصِدَت وسيلةٌ، ظَهرت وسيلةٌ جَديدةٌ أَكْثر تَعْقيداً في كَشْفها، وأَسْهل اسْتِخْدامًا لدى المُتَعلِّمين في الدُّوَل المُتَطَوِّرة، الَّذين أَصْبَحوا يَتعامَلون مع التَّطوُّر الرَّقْميّ والتِّكْنولوجيّ في مُنْتهى البَساطة!.

إِلى ذلك فَقد شَهِدت "سُوق وسائل الغشِّ الرَّقْميَّة" ازْدِهارًا كبيرًا، حيث لا يُمْكن مَنْع بَيْع الأَدوات المُسْتَخْدمة في عمليَّة الغِشّ، كما ولا يُمْكن تَجْريمُها قانونًا، لكَوْنِها أَجْهِزة مُعْتَمَدة عالميًّا ومُصرَّحًا في تَداولها... ولم تكتفِ التِّكْنولوجيا بِتَوْفير وَسائل صعْبَة الكَشْف في الغِشّ، بل وَسهَّلت أَيْضًا الحُصول على تِلْك الأَدوات من خِلال أَسْعارٍ تَنافُسيَّةٍ، تَراوَحَت بين 8،5 دولاراتٍ أَميركيَّةٍ، و736 دولارًا، ما سهَّل للمُتعلِّمين الحُصول على ما يُريدونه، وبِحسب قُدْراتهم الماليَّة سَواء أَقاموا بذلك تحت مُراقبة الأَهْل أَم بعيدًا من أَعْيُنهم...

أَساليب غشٍّ

ومِن وَسائل الغشِّ أَثْناء الامْتِحانات، إِضافَةً إِلى "مَواقع لبَيْع أَدَواتٍ" تُساعد في الغشِّ وتُروِّج لهُ، "القَلم الماسِح الضَّوْئيّ"، ونَظَّارة طبيَّة، وسمَّاعات صَغيرَة جدًّا!.

ولا يتعدَّى سِعْر "أَقْلام الماسِح الضَّوْئيّ" الـ8،5 دولارات أَميركيَّة، إِذ يكْتُب المُتعلِّم على المقاعد الدِّراسيَّة و"أَكْمام" مَلابسه في شَكْلٍ لا يُمْكن رَصْده إِلاَّ مِن خِلال هذا القلم، وفي نِهاية القَلَم مِصْباح صَغير، يُسلِّط الضَّوْء على "الكتابة" الَّتي لا يَراها سوى مالِك القَلم، وبالتَّالي لا يُمْكن كَشْف الغِشّ في سُهولةٍ.

وثمَّة وسائِلُ أَسْهل اسْتِخْدامًا وأَقلّ تَعْقيدًا غَيْرَ أَنَّ تطوُّرَها فرض سعرًا كبيرًا... إِنَّها نظَّارةٌ طبيَّةٌ في ظاهِرها، غير أَنَّها مُرْتَبِطةٌ بساعَةٍ، ولا يُمْكن مَعْرفة أَنَّها ساعةٌ ذكيَّةٌ.

وكانَت شَرِكة "غوغل" أَصْدرت منذ سَنواتٍ، نظَّارةً ذكيَّةً، تُشْبه النَّظَّارات العاديَّة، إِلاَّ أَنَّها يُمْكنها الاتِّصال بالإِنْتِرْنت، ويمكن حَفْظ ملاحظاتٍ عَلَيْها... وأَمَّا أَدوات "غوغل" فيُمْكن ملاحَظُتها بالعَيْن المُجرَّدة، لكنَّ السَّاعة والنَّظَّارة المُتداولتَيْن في عمليَّة الغِشِّ تَصْعب مَعْرفة وجْهَة اسْتِعْمالهما، كَوْنَهما أَدَواتٍ استثنائيَّةً للغِشِّ، لذلك تَبْدأ أسعارُهما من 735 دولارًا أَميركيًّا. وتَكْشف النَّظَّارة المَعْلومات المَوْجودَة على السَّاعَة، والَّتي تَسْتوعب مساحةً للتَّخْزين تَصِل إِلى 8 جيغا. وتَتكوَّن النَّظَّارة من عدساتٍ، وفي مُنْتصفها كاميرا فيديو لا يُمْكن رُؤيتها إِلاَّ بصعوبةٍ شديدةٍ، وفي نِهاية النَّظَّارة بالقُرب مِن الأُذُن، تحتوي على سمَّاعةٍ مُتناهية الصِّغَر لاسلكيَّة وبلونِ الجِلْد الطَّبيعيِّ. وعندما يَقْرأ المُتعلِّم السُّؤَال، فإِنَّ الكاميرا تَنْقل في شكلٍ مُباشر ما يَقْرأه، ويكون ثمَّة شخص آخر خارج الامْتِحان، تَنْتَقل لديه عبر ​الحاسوب​ الشَّخْصيِّ أو الهَواتف الذَّكيَّة، فيَبْحَثُ عن الإجابات عن الأَسْئِلة... ومِن ثمَّ يُلقِّن الطَّرف الآخَر المُتعلِّم، عبر الهاتِف أو "الميكروفون"، الإِجابَة الَّتي تَصِلُ عبر سمَّاعة الأُذُن الَّتي تَحْملها النَّظَّارة.

كَما ورُصِدَت سمَّاعاتٌ أَصْغر من حَجْم الحُمَّصة، يتمُّ إِدْخالُها إِلى الأُذُن وإِخْراجها بمِغْناطيسٍ، ويُمْكنها الاتِّصال بهاتفٍ على بُعد 6 أَمْتار، حيث يُجْري المُتعلِّم اتّصالاً قبل دُخوله الامْتِحان بأَحد الأَشْخاص، ويَتْرك المُكالَمة مَفْتوحةً بعد وضع السَّمَّاعة في أُذُنه، وعلى باب الغُرْفَة يَتْرك الجَميع هواتفَهُم المَحْمولة، ومن ثمَّ يَقْرَاُ المُتعلِّم الأَسْئلة فَتُسرَّب ورقة الامْتِحان… وبَعْدها تَبْدأ الإِجابات في الوصول إِلَى المُتَعلِّم عبر السَّمَّاعة غير المَرْئيَّة، ويَبْلغ سعر السَّمَّاعة حَوالَي 490 دولارًا أَميرْكيًّا.

وثمَّة هاتِفٌ مَحْمولٌ صُنِع على شَكْل آلةٍ حاسبةٍ، ويُمْكن تَخْزين مناهِج كاملةٍ عليه واسْتِدْعاؤه وَقْت الامْتِحان، كما ويُمْكن البَحْث عن الإِجابات في سهولةٍ مثلما يَحْدث عند البَحْث عن اسْم شخصٍ على الهاتِف المَحْمولِ.

وثمَّة وسائل أَكْثر حَداثةً، ومِنْها عَدساتٌ لاصِقةٌ مُتَّصلةٌ بشَريحةٍ ذكيَّةٍ تُمَكِّن المُتعلِّمين من تَصْوير ورق الامْتِحان، وإِرْساله إِلى طَرَفٍ آخَر، دَوْرُه تَقْديم الإِجابات إِلى المُمْتحَن، وتتَّصل العَدَسات اللاصِقَة بسمَّاعةٍ صَغيرةٍ جدًّا، مُثْبتة في الأُذُن في طريقةٍ مَخْفيَّةٍ، يتم عَبْرَها تَلْقين المُمْتَحن الإِجابات.

لا شكَّ أَنَّ هذه الوَسائل لم تُعْتَمَد في امْتِحانات 2019 الرَّسْميَّة في ​لبنان​، ولكن لا شكَّ أَيْضًا -وفي المُقابل- أَنَّ هذه الوَسائل المُتطوِّرة في الغشِّ، تَسْخَر بتِكْنولوجيَّتها المُتطوِّرة من كاميرات المُراقبة في الصُّفوف!.

ولا يحسبنَّ أَحدٌ أَنَّ الهدف من ذِكْر الوسائِل تِلك، هو "تَحْريض" المُتَعلِّمين على اسْتِخْدامها، فهُم بِذكائِهم لَيْسوا في حاجةٍ إِلى مَن يُحرِّضُهم في هذا المَجال، وإِنَّما أَرَدْتُ من خلال مَقالتي، حضَّ المَسْؤولين التَّرْبويِّين عندنا، على اعْتِماد طُرقٍ أُخْرى غير كاميرات المُراقبة، لتَحْسين مُسْتوى الشَّهادة الرَّسْميَّة...