لم يجد كل التهويل والاحتقان والشحن المذهبي والطائفي الذي انتهجته القوى السياسية في الاسبوعين الماضيين أي صدى له في الجلسة الاخيرة ل​مجلس النواب​ خلال انتخاب 5 أعضاء في ​المجلس الدستوري​، وان كان ما حصل أشبه بالتعيين. اذ دخل النواب الى القاعة العامة بعدما أُبلغوا بتفاهم سياسي بين القوى الرئيسيّة سيكون عليهم ترجمته في صناديق الاقتراع... وهكذا كان. ومن المتوقع أن ينسحب هذا التفاهم على تعيين الأعضاء الـ5 الباقين في المجلس المذكور والمفترض أن تقوم به ​الحكومة​ هذه المرة، خاصة وأنه وبحسب المعلومات فان حزب "​القوات​" وُعد بالتعويض عليه في تعيينات ​مجلس الوزراء​ بعدما سقطت حصّته في "عراضة انتخابيّة" في مجلس النواب.

وأظهر المشهد العام ان كل ما تم الترويج له في الفترة الماضية عن توجه لاحتكار تيار "المستقبل" و"​التيار الوطني الحر​" ​التعيينات​ لم يكن دقيقا، رغم حديث مصادر قواتيّة عن "ضغوط سياسية" فعلت فعلها، باشارة الى استراتيجيّة رفع الصوت التي اعتمدها القواتيون والحزب "التقدمي الاشتراكي"، والتي بدت كـ"حملة مسبقة للتصدي لأيّ محاولة لتجاوزنا".

ويرفض القواتيون الحديث عن ان حملتهم هذه كان هدفها الاساسي تأمين حصة لهم من "جبنة التعيينات"، وتلفت مصادر ​معراب​ الى انه "بنهاية المطاف تمّ اعتماد آليّة وان بالحد الأدنى لانجاز هذه التعيينات"، قائلة: "لقد تقدم المرشحون لمنصب عضو في المجلس الدستوري بسيرهم الذاتية ومن بعدها حصلت عمليّة تنقيتها، وهذه الآلية تشبه الى حدّ كبير تلك التي وضعها الوزير السابق ​ملحم الرياشي​".

واعتبرت المصادر انه من الطبيعي في المرحلة الاخيرة ان تحصل تفاهمات سياسية للاختيار بين الاسماء التي تكون اصلا قد سلكت الآليّة التي اوصلت الأكفأ والأكثر جدارة، وأن ترجح القوى السياسية كفّة أحد على آخر. وأضافت: "العضو الذي ستكون القوات رجّحت كفته لن تكون مرجعيته معراب انما الدستور والقوانين".

وعمّا اذا كان ما حصل بتعيين أعضاء المجلس الدستوري سيسري على باقي التعيينات العالقة، اعتبرت المصادر أن لا قاعدة ثابتة على مستوى التفاهمات بهذا الملفّ، وما يهمنا اسقاط أيّ محاولة للاستئثار بالتعيينات، وهذا ما نجحنا به حتى اللحظة.

وكما في معراب كذلك في كليمنصو، يبدو ان الاشتراكيين ايضا تنفسوا الصعداء لجهة تأكدهم من انّه لن يكون هناك أيّ اتفاق سياسي ثنائي أو غيره سيؤدّي لاستبعادهم من التعيينات. وفي هذا السياق تقول مصادر اشتراكية: "نحن منذ البداية كنا نعلم ان احدا غير قادر على تخطينا سواء بالتعيينات أو سواه من الملفات، ولكن رفع الصوت كان ضرورة ملحّة في مرحلة تكثر فيها ضروب الجنون لدى البعض والارجح أنها مرتبطة بجنون العظمة عند البعض الآخر".

أما مصادر "التيار الوطني الحر" فتهزأ من كل الرواية التي يحاول القواتيون والاشتراكيون تعميمها، قائلة: "اخترعوا الرواية وهم أنفسهم غير قادرين على تصديقها. قالوا بأننا نريد الاستئثار بالتعيينات ظنّا انهم بذلك يزيدوا حصصهم... وها هم اليوم يحاولون ايهام جماهيرهم بأنهم حققوا انتصارا دونكيشوتيا ما"!.

بالمحصّلة، سواء كان ما حصل في تعيينات أعضاء المجلس الدستوري هو نجاح حققته الاستراتيجية الاخيرة للقوات–الاشتراكي، أو استكمال للمسار الذي لطالما يسلكه ملف التعيينات ويقوم بشكل اساسي على تفاهمات سياسية مسبقة، الا أن الطبقة السياسية أثبتت مرة جديدة انها لا تتأخر بالتكتّل ايًّا كان حجم انقساماتها وخلافاتها حين يتعلق الامر بتقاسم قطعة جبنة ما... فالمهم الحصة ايّا كان حجمها!.