لم يكن الخلاف بين "تيّار المُستقبل" و"​الحزب التقدمي الإشتراكي​" عابرًا هذه المرّة، بحيث رافقته تهجّمات علنيّة قاسية ومُتبادلة، قبل أن تنجح الإتصالات بين الطرفين، خاصة على خطّ وزير الصناعة ​وائل أبو فاعور​ والوزير السابق ​غطاس خوري​، في ضبط الوضع نسبيًا، بمُساعدة كبيرة وبتدخّل مُباشر من قبل رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​. وقد إستمرّت الوساطات والإتصالات خلف الكواليس، حيث يُنتظر أن تُتوّج بلقاء مُباشر في خضمّ الأسبوع الحالي بين كلّ من رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ والوزير والنائب السابق ​وليد جنبلاط​. فما هي أبرز نقاط الخلاف، وكيف ستتمّ مُعالجتها منعًا لتكرار "سيناريو" الخلافات؟.

بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الضُغوط والحملات السياسيّة والإعلاميّة التي يتعرّض لها رئيس "المُستقبل"، جعلته حسّاسًا بشكل مُفرط إزاء أيّ إتهام بشأن تخلّيه عن جزء من صلاحيّاته وعن دوره كرئيس للُسلطة التنفيذيّة، وصار يضعها في خانة إضعافه والتحضير لإزاحته والإنقلاب عليه من الحُلفاء قبل الخُصوم! من جهة أخرى، إنّ الضُغوط التي يتعرّض لها رئيس "الإشتراكي" جعلته مُتوجّسًا بدوره من أيّ إجراءات مهما كانت ثانويّة وصغيرة، ويضعها في خانة زيادة الخناق السياسي حوله، والسعي لحصاره ولعزله سياسيًا، أكانت عبارة عن صراع محلّي على رئاسة بلديّة في شحيم، أو مجرّد تبديل لهويّة آمر سريّة قوى الأمن الداخلي في "بيت الدين"، على سبيل المثال الحصر! وعلى الرغم من أنّ هذا الواقع ساهم في زيادة سرعة الشرخ بين "المُستقبل" و"الإشتراكي"، إلا أنّه لا ينفي وُجود خلافات أساسيّة بين الطرفين، أبرزها:

أوّلاً: خلاف سياسي إنتخابي في "الشوف" عُمومًا، وفي منطقة إقليم الخرّوب خُصوصًا، حيث يُصرّ "الحزب التقدمي الإشتراكي" على الإحتفاظ باليد الطولى في الترشيحات الإنتخابيّة هناك، وهو ما دفعه إلى الإحتفاظ بأحد المقعدين السنيّين في دائرة جبل لبنان الرابعة(1) من حصّته خلال الدورة الإنتخابيّة الأخيرة، وذهب بعيدًا في ترشيحه النائب الحالي ​بلال عبد الله​ من بلدة شحيم، مُتخليًا عن النائب السابق علاء الدين ترّو من بلدة برجا، الأمر الذي تسبّب بمُشكلتين للمُستقبل، لجهة إغضاب بلدة برجا السنيّة الرئيسة في إقليم الخروب، ولجهة جعل التنافس حاميًا على "الصوت التفضيلي" بين "المُستقبل" و"الإشتراكي" في بلدة شحيم. في المُقابل، يسعى "المُستقبل" إلى إستعادة هذا المقعد السنّي، وهو أيضًا يزاحم "الإشتراكي" على أحد المقاعد التي يُفترض ان تكون من حصّة الأحزاب والقوى المسيحيّة في الشوف أصلاً، وذلك عبر الوزير السابق غطاس الخوري! ويُنتظر أن يتمّ مُستقبلاً إعادة تفعيل التنسيق على الأرض بين "المُستقبل" و"الإشتراكي"، والعمل على تكامل الحصص بينهما بلديًا، تحضيرًا لتكامل مُماثل في المُستقبل على مُستوى الإنتخابات النيابيّة.

ثانيًا: خلاف سياسي تكتيكي حيث يعتبر الحزب "الإشتراكي" أنّ التنازلات يجب ألاّ تكون مفتوحة بل مضبوطة السقف، حيث أنّ "الحزب" أصرّ على تحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة، وعلى ربط النزاع مع "​حزب الله​"، وقام بتسهيل تمرير ​قانون الإنتخابات​ الجديد الذي يُضرّ بنُفوذه، وشارك بإنتخاب العماد ​ميشال عون​ رئيسًا للجمهورية، وسهّل تشكيل حُكومتي العهد مُقدّمًا تنازلات من حصّته بشكل يصبّ في مصلحة "المُستقبل" في الحُكم، لكنّه يرفض عزله وإخراجه من المُعادلة السياسيّة بشكل شبه كامل، ويرفض العمل على حصاره وعلى تحجيمه من قبل أكثر من جهة سياسيّة داخليّة وحتى إقليميّة، تارة عبر تحالفات بين كل من "التيار الوطني الحُرّ" و"​الحزب الديمقراطي اللبناني​" وطورًا عبر إجراءات وقرارات من جانب النظام السُوري، إلخ. ومأخذ "الإشتراكي" الأساسي على "المُستقبل" في هذا السياق، يتمثّل برفض تساهل الأخير إزاء ما يطال "الإشتراكي" من ضُغوط، بحجّة الحفاظ على علاقته مع "التيّار الوطني الحُرّ"، بدلاً من أن يعمل "التيّار الأزرق" الذي يُفترض أن يكون بموقع الحليف على منع حصار وعزل "الإشتراكي"، وهو الدور الذي يقوم به رئيس مجلس النوّاب حاليًا. في المُقابل، يَعتبر "المُستقبل" أنّ تمتّعه بإستقلاليّة الحركة وبالقُدرة على المُناورة السياسيّة وعلى عقد التحالفات والتفاهمات لا يجب أن يكون موضع إنتقاد من أي جهة، وهو ليس مُوجّهًا أصلاً ضُدّ أي طرف، وبالتأكيد لا يستهدف الحزب "الإشتراكي" الذي سبق له أن قام بتفاهمات أحاديّة خلال العقد الماضي وخرج من تحالف قوى "14 آذار" وتمثّل في حكومة رئيس الحُكومة السابق نجيب ميقاتي، من دون أن يراعي وحدة "14 آذار" ولا مصلحة "المُستقبل" أو النائب سعد الحريري نفسه! ويُنتظر أن يقوم كل من "المُستقبل" و"الإشتراكي" قريبًا بإعادة التشديد على تفاهمهما على المصلحة العامة، وبتأكيد تحالفهما على المُستوى الخط السياسي الإستراتيجي العريض، من دون أن يعني ذلك التكتّل ضُدّ أي أطراف داخليّة أخرى، بل العمل الدائم على توسيع قاعدة التفاهمات.

ثالثًا: خلاف بخلفيّة الحصص والتعيينات، حيث يُعوّل "الإشتراكي" على أن تكون حصّته محفوظة في كل التعيينات المُقبلة، كونه المُمثّل الأكبر والأقوى للطائفة الدُرزيّة، بينما كل التسريبات التي وصلته في الماضي القريب أثارت ريبته، من دون أن يحصل على تطمينات من جانب "المُستقبل" الذي تبقى له كلمة حاسمة في هذه التعيينات، إلى جانب باقي القوى الأساسيّة. في المُقابل، يستغرب "المُستقبل" الحملات الإستباقيّة عليه، وهو الذي يعمل بهدوء على حفظ حقوق مُختلف القوى السياسيّة، والأهم على حفظ الإستقرار الداخلي، إفساحًا في المجال أمام التركيز على المشاكل الإقتصاديّة والمعيشيّة والحياتيّة الواجب منحها الأولويّة. ويُنتظر أن تُوفّر التعيينات التي ستتمّ على مراحل في المُستقبل القريب، التطمينات اللازمة للإشتراكي.

في الختام، لا يهمّ شكل المُصالحة التي يُنتظر حُصولها في بحر الأسبوع الطالع بين رئيسي "المُستقبل" و"الإشتراكي"، لكنّ الأكيد أنّ مَضمون هذه المُصالحة سينطلق من بوّابة الإدارة السياسيّة للبلاد، مع تحديد الخطوط العريضة لهذا الموضوع، قبل الغوص في تفاصيل العلاقة الثُنائيّة بين "المُستقبل" و"الإشتراكي"، وُصولاً إلى العودة إلى التحالف السابق بينهما، أقلّه على مُستوى المواضيع الإستراتيجيّة. ومن بين تفاهمات المُصالحة المُنتظرة، فتح باب التواصل مُجدّدًا وبشكل دائم ومفتوح بين الطرفين، لمُعالجة أي سوء تفاهم قبل تفاقمه.

(1) تشمل كل من قضاء الشوف وقضاء عاليه، وهي تضمّ 13 مقعدًا (5 موارنة، 4 دروز، 2 سنة، 1 روم أرثوذكس و1 روم كاثوليك)، علمًا أنّ عدد الناخبين السنة بلغ 62154 ناخبًا بحسب إحصاءات العام 2018، أي 18,8 % من إجمالي عدد الناخبين في هذه الدائرة.