عندما سرّبت صحيفة "إيزفيستيا" الروسية، خبر "إتخاذ كل من ​روسيا​ و​الصين​ القرار بشكل رسمي للإستغناء عن الدولار الأميركي في الحسابات والتعاملات والإعتماد على عملاتها الوطنية" بعدما وقّع وزير الماليّة الروسي أنطون سيلوانوف، ورئيس بنك الشعب الصيني يي هانج، على هذه الاتفاقية، كان كلٌ من البلدين العملاقين يعزّز من علاقاته مع الجمهورية الإسلامية ال​إيران​ية. وتتحدث المعلومات عن سعي لتأسيس روابط متينة بين المنظومات الإقتصادية الروسية-الصينية-الإيرانية، مفتوحة الخيارات.

وإذا كان السعي الغربي-ال​إسرائيل​ي يهدف لسحب البساط من تحت التفاهم القائم بين موسكو وطهران في ​سوريا​، فإنّ التحالف السياسي-الإقتصادي بين الروس والإيرانيين والصينيين ترسّخه القواعد الجيوسياسية المشتركة بينهم. لا يمكن الإنفصال هنا عن الجغرافيا في الحسابات السياسية والإقتصادية. ينطلق التفاهم من الممرّين الملاحيّين في ​مضيق هرمز​، اللذين يتحكّمان بما يقارب نصف احتياطي النفط في العالم. هنا تمسك طهران بزمام اللعبة الملاحيّة- الإقتصاديّة، علماً أنّ الموقع الجغرافي لهذه المساحة، هو مركز إهتمام كل عواصم العالم من دون إستثناء. فالصين التي بنت ميناء جوادار في ​باكستان​ قرب إيران، تهتم بالتحالف الإقتصادي الكامل مع طهران، وهي جهّزت الطرق التي باتت تصل المدن الصينيّة بإيران، وتحضّر الآن السكك الحديديّة وخطوط الأنابيب لترسيخ روابطها التجاريّة والصناعيّة مع الإيرانيين والباكستانيين، ونقل ​النفط والغاز​ مباشرة عن طريق خط أنابيب خاص.

لكن جهوداً هنديّة لافتة تُرصد في سباق مع الصين، من دون ان يكترث أحد إلى دور ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة في هذه المنطقة الغنيّة وصاحبة الموقع الإستراتيجي. مما يعني أن واشنطن هي خارج اللعبة في تلك المساحة، لذلك، خرجت أصواتٌ اميركية مندّدة "بفشل الإدارة الأميركية في الحد من التمدّد الصيني"، ودعت في الوقت ذاته الى تنازل واشنطن امام ايران لجذبها الى تسوية تسحب طهران من الحلف مع الصين. ينطلق اصحاب تلك الأصوات الأميركية من ضرورات المصالح الإقتصاديّة التي تقضي بضرب النفوذ الصيني، ولو على حساب تقديم تنازلات امام الإيرانيين، وإبداء واشنطن حُسن النيّة العملية بتعليق العقوبات الإقتصادية على طهران بدل التدرّج في رفع سقف العقوبات.

لكن الإدارة الأميركية التي فشلت في كسب ودّ القيادة الإيرانيّة، او وقف التحدّي الذي أبدته طهران، بقيت تحاول عبر سياسة العصا والجزرة فرض تسوية عرجاء، لم يقبل بها الإيرانيون. تلك المحاولة ليست نابعة من قلق الأميركيين من إستهداف إيراني مسلّح لقواعد عسكرية أميركية بالعراق مثلاً، ولا من فرط التسوية اللبناّنية، او إشعال جبهات الجنوب اللبناني أو غزة الفلسطينيّة، او الجولان السوري، ضد إسرائيل، بل إن السعي الأميركي لمصافحة القيادة الإيرانيّة ناتج عن قلق ترامبي من التفاهم الإيراني-الصيني-الروسي الذي يتمدّد بشكل سريع، وسيترك تداعيات سلبية على وضع الأميركيين وسياساتهم الإقتصادية.

واذا تمّ إستحضار محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اجراء صفقة مع ​كوريا الشمالية​، كما اظهر الإجتماع في الساعات الماضية بين الرئيسين الأميركي والكوري الشمالي، فإنّ أحد أهم الأهداف الترامبيّة هو حصر أعداء واشنطن بالصين لا غير. ومن هنا ايضا كانت محاولة الأميركيين نسف النظام السياسي في ​فنزويلا​ لإزاحة رئيسها الحالي، وإيصال رئيس موالٍ للولايات المتحدة.

قبل ذلك، ترجم الأميركيون ذات المعادلة مع ​البرازيل​ التي تحوّلت قيادتها من خصم الى صديق، بعد ترتيب العلاقة مع كوبا.

يحاول ترامب التأكيد للأميركيين أنّ المنافس الوحيد لواشنطن في العالم هو الصين، سياسياً وإقتصادياً. يستند بذلك إلى خطة بكّين للتمدد في العالم.

هذا ما تعرفه طهران، التي ترفع من سقف شروطها أمام الأميركيين، وهي تجزم انها تملك عناصر قوّة، اظهرت مجريات التفاوض واقعيتها.