ليسَ صحيحاً أنَّ كُلَّ ما يّعْرَفُ يجبُ أن يُقالَ... وإلّا تحوّلتْ مِنصّاتُ وسائلِ الإعلامِ التقليديةِ والإلكترونيةِ الى ثَرثراتٍ ومبارزاتٍ وعراضاتٍ كلاميةٍ، فيها حَشْوٌ وكَذِبٌ وإختلاقاتٌ وإتهاماتٌ، وكلُّها تصيبُ من الوطنِ مَقتَلاً!...

مناسبةُ هذا الكلام، رصديَّاتٌ وملاحظاتٌ ناقدة لمسار حالة بعض الإعلام ال​لبنان​ي، الذي تَدَرَّكَتْ أحوالُهُ من "إعلامٍ رائدٍ مُحَصَّنٍ" الى "إعلام إستهلاكي نَفعيٍ" تعوزه الإحترافية ُ وينقُصُهُ الحِسُّ الوطني والإستدراكي، بحيث ُ لمْ يَعُد الإعلام يعتبر أنه معنيٌ بمعنويات المجتمع، وحريصٌ على صورةِ الوطن وتنقيتِها من كُلِّ الشوائبِ. وهذه مسؤوليةٌ مضاعفةٌ يتحمّل الإعلامُ نتائجَها وإنعكاساتِها، بمعزلٍ عن موقف أو لا موقف الهيئات النقابيّة الناظمة للإعلام بمؤسَّساتِه وتوجّهاتِه وتوظيفاتِهِ.

إن غيابَ المرجعية الإعلاميّة التي يجب أن تكونَ لها الكلمةُ المسموعةُ، والجهد التنسيقي بين الكيانات الإعلامية ، التي باتت تعتبر نفسها "سلطة قائمة بذاتها وخارج مفهوم تراتبيةِ السلطات في المجتمعات الديمقراطية ، تركَ ندوباً بليغةً شَوَّهتْ صورةَ لبنان و زادت ْ من المخاوفِِ الإحباطيّةِ التي ترافقُ كـلَّ مادة ٍ خبريّةٍ أوْ فيلميّةٍ يبثُها الاعلامُ أو ينشرُها من دونِ تَرَوٍّ ومن دون إقامةِ موازنةٍ بين إيجابياتِ وسلبيّاتِ نشرِ المادة ، بمعزلٍ عنْ الأهَميةِ المُحيطةِ بها وضرورة النشر أوْ عدمه...

إنَّ ​القاعدة​ َ الإعلامية الذهبية في زمنِ الأزماتِ، أساسُها التمييزُ الشديدُ بين ما يجب نشرُهُ وما يجب عدم نشره... لأنَ "إعلامَ الصَمتِ لهُ أيضاً إستراتيجيّتُه وأخلاقياتُه وتقنياتُهُ التعبيريةُ المُتَخَصِّصَة. فالصَمت ، هو أبلغ ُالفنونِ التعبيريةِ في "اللّامُقال" حيثُ الكاتِبُ يَختَبِئُ في النصِّ، من دون أن يغيب فيه ِ كلّيّاً.

إنّ المسؤولية الإجتماعية والثقافية والوطنيّة للإعلامِ، تفرضُ عليه الإلتزام بقواعدِ الإعلام الهادف والشريكِ بالحرص على الوطن ودوره وصورته ووظيفته. وهذا ما يدفعنا الى توجيهِ انتقاداتٍ بنائيّةٍ لبعض الإعلام الذي يستسهلُ نشرَ صورٍ وتحقيقات ٍ تلفزيونية حولَ قضايا أو فضائحَ بيئيّةٍ تُسيءُ الى صورة المجتمع و​الدولة​ اللبنانيّة، رُغْمَ أحقيَّةِ الإلفات الى هذه الأمور والتنبيه إليها. فأيُّ فائدةٍ تجنيها التلفزيونات مثلاّ من نشر تحقيقاتٍ لجرائمَ بيئيةٍ تحمل صوراً جارحة للذوق والأبصار، وتَحْطُ من صورة لبنان الحضارية؟.

فالمطلوبُ من الإعلامِ بكلِّ فنونِه وانواعِه، أن يولي القضايا البيئية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والوطنيّة إهتماما ً مُرَكَّزاً، شرط َ أن يُراعي بإهتمامٍ كبيرٍ المصلحة الوطنية، وأنْ يكونَ قادراً على التمييز بين ما يجب نشره وما يجبُ تنبيهُ الوزارات والإدارات المعنية إليه. وبذلك يكون الإعلام أميناً لرسالته بمتابعة الحقائق وكشفها، ووفياً لإلتزاماتِهِ الوطنية ومسؤوليته الإجتماعية.

ان الإعلام الواعي لدوره، بإمكانه أن يكون شريكاً بالمسؤولية في تقديم خدماتٍ معرفيّةٍ تساعد ​وزارة البيئة​ أو ​وزارة الصحة​ في مسارهما الإنمائي والصحي. وهذا ما يدعونا إلى طرح فكرة عقد ندوة تفكير لإنتاج ميثاق شرف اعلامي-بيئي-صحي تتكامل ُ في بنوده المسؤوليات بين وزارة البيئة ووسائل الإعلام.

إن المسؤولية المشتركة بين وزارة البيئة ووسائل الإعلام، هي مسؤولية تكاملية، بحيث يقوم كلٌ من القطاعَيْن الرسمي والخاص بتبادل المعلومات والخبرات والاقتراحات التي يمكن أن تنهض بالوضع البيئي والصحي، من أن يكون لنشاط المؤسسات الإعلاميّة ودورها التعريفي والإصلاحية، أي أثر سلبي على صورة لبنان، وتشويه سمعته والإقبال من رصيده السياحي والحضاري. وهذه مهمة مناطةٌ بالوزارات المعنية وبوسائل الإعلام معاً...