بات من الواضح أن على رئيس "الحزب ​التقدمي الإشتراكي​" النائب السابق ​وليد جنبلاط​ إعادة حساباته السياسيّة، لا سيّما بالنسبة إلى المرحلة التي تلت ​الإنتخابات النيابية​ الأخيرة، مع العلم أن "البيك" سبق له سابقاً أن لمس التغييرات التي تحصل، عندما سارع إلى الإلتحاق بالتسوية الرئاسيّة من خلال التصويت لصالح رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ في جلسة إنتخابه.

اليوم، لا يمكن حسد رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" على واقعه السياسي، فجنبلاط يخوض مواجهات على عدّة جبهات لا تبدو نتيجة أيّ منها محسومة، بل على العكس يبدو أنّ الرياح تجري بعكس ما تشتهي سفنه، بعد أن كان في السابق يملك حق "النقض" على كل القرارات السياسية، نتيجة دوره الذي كان يوصف بـ"بيضة القبان".

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ مشكلة "البيك" الأساسيّة تكمن بشعوره بأنه بات خارج اللعبة السياسية أو دائرة القرار الفعلي، في ظلّ توتر علاقاته مع كل من رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ورئيس "​التيار الوطني الحر​" ​جبران باسيل​، بالإضافة إلى "​حزب الله​" بعد أزمة معمل اسمنت الأرز في عين داره، ما يدفعه إلى تكرار مقولة أن رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ هو حليفه الوحيد.

بالتزامن، لا يتردّد جنبلاط في الحديث الدائم عن محاولة حصار يتعرّض لها، بسبب الدعم الذي يحظى به معارضوه على الساحة الدرزية، كرئيس "​الحزب الديمقراطي اللبناني​" النائب ​طلال أرسلان​ ورئيس حزب "التوحيد العربي" الوزير السابق ​وئام وهاب​، لكن اللافت هو أن رئيس "الإشتراكي" يضع كل ما يحصل في سياق الحرب التي يخوضها الجانب السوري ضده، في سعي إلى توسيع دائرة الإشتباك السياسي، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها.

على هذا الصعيد، تشير هذه المصادر إلى أنّ علاقة جنبلاط مع حزب "​القوات​ اللبنانيّة" ليست على أحسن حال أيضاً، بالرغم من تشاركهما في الموقف من رئيس "التيار الوطني الحر"، لا سيما بعد أن ذهب وحيداً إلى التسوية الحكوميّة، قبل حلّ مسألة تمثيل "القوات"، ما دفعه إلى أن يكون أقرب إلى حزب "الكتائب" وبعض الشخصيّات المسيحيّة المستقلة الأخرى.

في ظل هذا الوضع المعقد، من الضروري السؤال عما إذا كان هناك فعلياً معركة لحصار رئيس "التقدمي الإشتراكي" من قبل خصومه، أم أنّ جنبلاط يحاصر نفسه نتيجة الخيارات التي يتّخذها، خصوصاً لناحية الذهاب في المواجهات إلى الحدّ الأقصى؟.

من وجهة نظر مصادر نيابية في منطقة الجبل، المعضلة الأساس تكمن بأنّ "البيك" لا يريد التسليم بنهاية الواقع الذي كان قائماً في الفترة السابقة، لا سيما ما قبل العام 2005 عندما كان يحظى بدعم دمشق على مختلف المستويات، ولا بنتائج الإنتخابات النيابيّة الأخيرة التي أفرزت كتلة نيابيّة، في دائرة ​الشوف​ ​عاليه​، تضم 4 نواب من خارج عباءته السياسيّة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، التوصيف الدقيق لما هو حاصل أنّ جنبلاط لا يريد الإعتراف بتمثيله الحقيقي، بل يسعى إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، كي ينصّب نفسه "أميراً" على منطقة الجبل، بدليل مسارعة أوساطه إلى الحديث عن توازنات سياسيّة على الجميع مراعاتها.

في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها على أنّ معظم الأفرقاء يدركون حقيقة الواقع الراهن في البلاد، خصوصاً لناحية ولادة معادلة جديدة لا ترضي مختلف اللاعبين السياسيين في المرحلة السابقة، لكنها في المقابل تشير إلى أنّ هذه هي التوازنات الحقيقية في البلاد.