أظهرت الأحداث الدامية في منطقة عاليه انّ المصالحة المفترضة في الجبل، والتي لطالما تغنّى بها كُثُر ونظّموا فيها الشعر، لا تزال هشّة ورخوة بعد مرور نحو 19 عاماً على انتهاء الحرب، وانّ الطابع النظري او التنظيري يطغى عليها، في حين تبدو الأرض مزدحمة بالهواجس المتبادلة، القابلة للإنفجار في اي لحظة.

لقد أعادت حادثة قبرشمون نبش كثير من القبور المسكونة بأشباح الماضي، وتوزعت مروحة تداعياتها وشظاياها في أكثر من اتجاه، إذ أُصيب النسيج الدرزي الداخلي إصابة مباشرة، كادت تجرّ الى فتنة في داخل البيت الواحد، وتلقّت المصالحة الدرزية - المسيحية ضربة قوية أرجعت عقارب الساعة الى الوراء، ووجدت الحكومة نفسها أمام تحدٍ جديد بعد تعرّض احد وزرائها الى محاولة اغتيال، من شأنها ان ترخي بظلالها على جلسة مجلس الوزراء اليوم. وحتى الجيش كانت له حصّة من التداعيات، بعد الإتهام الذي وجّهه اليه النائب طلال ارسلان بالتقصير في فرض الأمن وبتغاضيه عن وجود محميات مذهبيّة في صفوفه.

اما «حزب الله» فقد سارع الى التضامن مع ارسلان والوزير صالح الغريب، وأوفد الى دارة خلدة الوزير محمود قماطي، الذي أطلق من هناك موقفاً داعماً لـ»المير» الحليف، لم يخل من رسائل واضحة الى جنبلاط، ما لبث ان ردّ عليها بعض مسؤولي «الحزب التقدمي الاشتراكي».

وفي المعلومات، انّ الامين العام لـ»الحزب» السيد حسن نصرالله تابع شخصياً مفاعيل كمين قبرشمون، مبدياً انزعاجه مما حصل، ومؤكّداً الوقوف الى جانب ارسلان في هذا المصاب.

على خط «التيار الوطني الحر»، لوحظ أنّ أي موقف علني لم يصدر عن الوزير جبران باسيل منذ أن تلاحقت الهزّات الإرتدادية التي ترتبت على زيارته الى الجبل، ما يوحي أنّ رئيس تكتل «لبنان القوي» فضّل، أقله خلال الساعات المتوترة التي تلت الموقعة الدامية، ان يُبقي هذا الملف في إطاره الدرزي المحض وتحت إدارة ارسلان بالدرجة الاولى، محاولاً التخفيف من وطأة بُعده المسيحي - الدرزي الذي قد يفيد «الاشتراكي» في شدّ عصب قواعده وكسب التعاطف معه.

لكن مصدراً بارزا في «التيار الوطني الحر» يؤكّد التصميم على كسر الأقفال الحديدية التي يحاول «الاشتراكي» ان يغلق بواسطتها ابواب الشوف وعاليه أمام الرأي الآخر، «كأنّه لم يغادر بعد ثقافة الكانتونات»، مشدداً على انّ النشاط السياسي في أي منطقة لبنانية هو حق للجميع». ويضيف المصدر: «نحن نرفض ان ندخل الى الجبل كما دخله رئيس «حزب الكتائب» النائب سامي الجميل أخيراً حين زار المختارة».

وإزاء هذا الاحتقان المتفاقم، يُخشى من أن تعصف الرياح بجلسة مجلس الوزراء المقبلة التي تنعقد على «فالق» قبرشمون، خصوصاً انّ الوزير صالح الغريب سيكون وجهاً لوجه أمام وزير «الاشتراكي» أكرم شهيب، الذي يحمّله ارسلان المسؤولية عمّا جرى على الأرض، واصفاً إيّاه بـ»نائب الفتنة».

وتفيد المعلومات، انّ الغريب مدعوماً من حلفائه في «التيار الحر» و»حزب الله» سيرفع سقفه السياسي في الجلسة، وسيطلب أن تستنكر الحكومة الاعتداءات التي وقعت في الشحار الغربي في عاليه، وان تتضامن معه في اعتباره وزيراً تعرّض لمحاولة اغتيال، وكذلك سيطرح ضرورة التصدّي لسعي البعض الى إعادة احياء مفهوم الكانتونات، إضافة الى أنّه سيطالب بإحالة جريمة قتل مرافقيه الاثنين الى المجلس العدلي.

وتحذّر اوساط الغريب من «أنّ الجمر لا يزال مستعراً فوق الرماد وليس تحته»، مشددة على «انّ اطفاءه يتطلب توقيف الفاعلين ومحاسبتهم من دون أي تأخير، وإلاّ فانّه سيكون من الصعب السيطرة على المضاعفات المتوقعة». وتلفت الى «انّ عدم اتخاذ الاجراءات الحازمة المطلوبة سيقود الى تكريس واقع غير مقبول، هو من رواسب مرحلة الحرب»، معربة عن اعتقادها «أنّ ما حصل سيدشّن مرحلة جديدة في الجبل، والدماء التي سالت لن تذهب هدراً».

وبينما عَكَس المؤتمر الصحافي لارسلان أمس امتعاضه الشديد من سلوك الجيش حيال أحداث الجبل، عُلم انّ اللقاء الذي حصل قبل ايام بين الغريب وقائد الجيش العماد جوزاف عون في اليرزة لم يكن سلساً، بل ساده التشنج الى حد ما، في ظل مآخذ ارسلان على بعض تصرفات المؤسسة العسكرية والانتقادات الحادّة التي وجّهها الى مدير المخابرات وعدد من الضباط.