إذا كانت العُقوبات الإقتصاديّة الأميركيّة القاسية ضُدّ ​إيران​، تهدف في جانب منها إلى خنقها إقتصاديًا، وبالتالي إلى ضرب تمويل طهران لمُختلف الجماعات المُسلّحة والمُدرّبة من قبلها في المنطقة العربيّة، فإنّ فرض العُقوبات على الشركات والمؤسّسات التي تُقدّم الدعم المادي إلى "​حزب الله​"، وكذلك مُلاحقة المُتموّلين ورجال الأعمال ال​لبنان​يّين أو من أصل لبناني الذين يمدّون "الحزب" بالدعم المالي، يهدف إلى قطع تمويل "حزب الله" من مصادره المُباشرة أيضًا. فهل يُمكن أن تحُقّق واشنطن هذا الهدف، وهل فعلاً المُواطن اللبناني الأصل نادر محمد فرحات الذي جرى تسليمه في الماضي القريب إلى السُلطات الأمنيّة الأميركيّة من قبل نظيرتها الباراغويّة، مُتورّط في عمليّات غسل أموال وتمويل أنشطة إرهابيّة؟ وأين موقف "حزب الله" وموقف الدولة اللبنانيّة مما يحصل؟.

بداية لا بُدّ من التذكير أنّه في مطلع العام 2015، صعّدت الإدارة الأميركيّة حربها ضُدّ عمليّات تهريب المُخدرات وغسل الأموال وتمويل المُنظّمات التي تُصنّفها الإدارة الأميركيّة إرهابيّة، ومنها "حزب الله"، وذلك عبر إطلاق عمليّة أمنيّة ضخمة حملت إسم "مشروع كاساندرا". وأسفرت هذه العمليّة التي جرى تنسيق تفاصيلها الميدانيّة بين الولايات المتحدة الأميركيّة وسبع دول أوروبيّة، ومن بينها فرنسا وألمانيا وبلجيكا وألمانيا، عن توقيف عدد من الأشخاص، وعن وضع مجموعة من الأشخاص والشركات والمؤسّسات المالية على لائحة سوداء، هي كادت أن تؤثّر سلبًا على القطاع المصرفي اللبناني، بعد إتهام أحد المصارف اللبنانيّة بالتورّط في عمليّات "غسل وتبييض الأموال" و"تمويل الأنشطة الإرهابيّة"، لولا مُسارعة الجهات المصرفيّة في لبنان إلى معالجة الموضوع بسرعة وإلى المُوافقة على تطبيق إجراءات جديدة تُظهر عمليّات التحويل المالية الدَوليّة بشفافيّة كاملة.

وفي سياق الهدف الأميركي نفسه، تُواصل السُلطات الأمنيّة الأميركيّة العمل على تفكيك الخلايا الأمنيّة التي تتحرّك في دائرة جُغرافيّة تشمل المُثلّث الحُدودي بين كل من الأرجنتين وباراغواي والبرازيل، وهي خلايا مُرتبطة بعصابات الإتجار بالمُخدّرات بين القارة الأميركيّة الجنوبيّة والولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بهدف إصابة عصفورين بحجر واحد-إذا جاز التعبير، أي لجهة مُكافحة ظاهرة تصدير المُخدرات إلى الداخل الأميركي، ولجهة مُكافحة عمليّات غسل الأموال التي يتمّ خلالها تمويل الجماعات المُسلّحة التي تتهمّها الإدارة الأميركيّة بالقيام بعمليّات إرهابيّة ضُدّ مصالح الولايات المتحدة الأميركيّة في العالم، وضُدّ مصالح حلفائها أيضًا. وفي هذا السياق، تسلّمت السُلطات الأمنيّة في مدينة ميامي الأميركيّة في ​ولاية فلوريدا​، اللبناني الأصل نادر محمد فرحات الذي يحمل الجنسيّة الباراغويّة، لمُحاكمته بإتهامات جنائيّة مُرتبطة بغسل الأموال، وهي إتهامات تطال مواطنين آخرين من أصل لبناني أيضًا، من بينهم محمود ​علي بركات​. وبحسب الإتهامات الأميركيّة إنّ قيمة هذه العمليّات الجرميّة تُقدّر بمبالغ مالية طائلة، وهي تعود بمردود عالي ضخم على الجماعات المُتورّطة بها، ولا يُمكن مُقارنتها بعمليّات تهريب ​حبوب الكبتاغون​ التي تتم من لبنان إلى بعض الدُول العربيّة، والتي نجحت السُلطات الأمنيّة المعنيّة في لبنان في مُكافحتها بشكل كبير في المرحلة الأخيرة بعمليات إستخباريّة مُحكمة.

في المُقابل، يرفض "حزب الله" كل هذه الإتهامات، ويعتبرها جزءًا من الحرب الإعلاميّة الشرسة التي يتعرّض لها، وهو ينفي أيضًا أيّ علاقة له بالأشخاص الذين يتمّ توقيفهم ويصفهم برجال أعمال أبرياء، وينفي أيضًا أي علاقة بالشركات وبالمؤسّسات التي تتهمها واشنطن بتمويله، ويعتبر أنّها إفتراءات غير مبنيّة على أيّ اسس أو أدلّة ملموسة، تهدف إلى تشويه سمعته عالميًا، ولو عبر إلحاق الأذيّة بشركات وبمؤسّسات وبشركات بعيدة كل البُعد عمّا يُفبرك لها من إتهامات. حتى أنّ "الحزب" لا يجد نفسه معنيًا في كثير من الأحيان، على إصدار بيانات دفاع عن الأشخاص الذين يتمّ توقيفهم أو إتهامهم من جانب السُلطات الأميركيّة، وذلك في محاولة للدلالة على أن لا علاقة له بهم لا من قريب أو بعيد.

وبالنسبة إلى السُلطات اللبنانيّة فهي غالبًا ما تعمل على إستيعاب أضرار هذه الإتهامات والإجراءات، عبر إتصالات تتمّ بعيدًا عن الإعلام، لكنّها تصطدم في كثير من الأحيان بإجابات تتحدّث عن تورّط بعض الموقوفين اللبنانيّين أو من أصل لبناني بقضايا جنائيّة، ما يجعلها عاجزة عن طلب الإفراج عن هؤلاء، خاصة وأنّه لا قُدرة للسُلطات اللبنانيّة بالمُشاركة في أي تحقيقات ميدانيّة للتحقّق ممّا يُنسب لهم، بحيث تضيق خياراتها بين القُبول بما يُنسب لهؤلاء الأشخاص أو الشركات أو المُؤسّسات من إتهامات، مع السعي إلى تقليل حجم الأضرار الناجمة من ذلك قدر المُستطاع، ومن جهة أخرى عدم الإقتناع بما يُساق من إتهامات لكن من دون المُجاهرة علنًا بذلك، لعدم القُدرة على إثبات صحّة القناعات بالبراءة، ولا على التدخّل في مُجريات قضائيّة تجري خارج لبنان.

في الخُلاصة، واشنطن مُصرّة على قطع تمويل "حزب الله"، وهي لن تألو جُهدًا لتحقيق هذا الهدف. لكنّ وعلى الرغم من الأذى الذي ألحقته وتُلحقه الإجراءات الأميركيّة بمصادر تمويل "حزب الله"، فإنّ هذا الأخير قادر على إستنباط البدائل المطلوبة للحفاظ على الحدّ الأدنى من مصادر تمويله الضروريّة، وكذلك على التأقلم مع الحصار المالي الذي تُحاول أكثر من جهة فرضه عليه. والأكيد أنّ "الكباش" بين الطرفين سيبقى مفتوحًا على مصراعيه في المرحلة المُقبلة...