بعيداً عن التداعيات الأمنية لحادثة قبرشمون، في ظل الاختلاف في وجهات النظر حولها، بين فريق يعتبر أن وزير الدولة لشؤون النازحين ​صالح الغريب​ تعرض لمحاولة إغتيال، وآخر يحمل الغريب نفسه ومن خلفه وزير الخارجية والمغتربين ​جبران باسيل​ مسؤولية ما حصل، هناك مؤشر بارز ينبغي التوقف عنده ظهر من خلال المواقف التي تلت الحادثة.

المؤشر المذكور يتعلق بمعادلة التوازنات في البلد، لا سيما بين الأفرقاء المشاركون في الحكومة، التي بات على ما يبدو عنوانها الأساسي الموقف من باسيل، وهي تخرج عن لعبة الاصطفاف التقليدي بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار.

ضمن هذا السياق، تقرأ مصادر سياسية مطلعة، عبر النشرة، مواقف معظم الأفرقاء من حادثة قبرشمون، والتي ظهرت مباشرة بعد الحادثة من دون معرفة حقيقة ما حصل، في مؤشر على أن مقولة: "عنزة ولو طارت ينطبق على الجميع"، وهو ما تمدد إلى الموقف من طرح إحالة الملف على المجلس العدلي، كما طالب رئيس ​الحزب الديمقراطي اللبناني​ النائب ​طلال ارسلان​.

وانطلاقا من ذلك، ظهرت أغلب القوى المسيحيّة التي في موقع الخصومة مع ​التيار الوطني الحر​، خصوصا ​تيار المردة​ و​حزب القوات اللبنانية​، في موقف المتضامن مع رئيس ​الحزب التقدمي الإشتراكي​ النائب السابق ​وليد جنبلاط​، عبر تحميل الوزير باسيل مسؤولية ما حصل، نظراً إلى أنها في الأساس تقف ضد الجولات التي يقوم بها في المناطق، والتي ترى فيها تهديدا لنفوذها.

من وجهة نظر المصادر نفسها، لم تتنبه هذه القوى إلى خطورة ما حصل قبل حادثة قبرشمون، لناحية إغلاق الطرق بوجه رئيس أكبر تيار مسيحي في البلاد، الأمر الذي كان من الممكن أن يحصل معها في ما لو كانت على خصومة مع رئيس الإشتراكي، كما أنها لم تتنبه لتداعيات هذه الأحداث على المصالحة في الجبل، التي لم تكتمل كامل فصولها حتى الآن.

وبعيدا عن دائرة القوى المسيحيّة، تشير هذه المصادر إلى أن المعادلة نفسها كانت قائمة، ف​حزب الله​ قرر منذ اللحظة الأولى دعم النائب أرسلان، خصوصاً أن الوزير المستهدف ينتمي إلى حزبه، لكن من دون الدخول على خط المواجهة بشكل مباشر، رغم الحساسية التي اظهرها موقف وزيره في الحكومة ​محمود قماطي​ في أوساط الإشتراكي، بينما اختار شريكه في الثنائية الشيعية رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ أن يعبر عن موقفه بعيدا عن الأضواء، فهو لا يريد أن يشارك في المواجهة ضد رئيس الإشتراكي، في ظل غياب الكيمياء عن علاقته مع رئيس التيار الوطني الحر، من جهة، ولا يستطيع أن يقف إلى جانبه من جهة ثانية، في حين تتحدث بعض الأوساط عن أنه كان عراب التسوية التي لا تكسر جنبلاط.

في الإطار نفسه، يأتي موقف رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي كانت قد شهدت علاقاته مع جنبلاط في الأيام السابقة توترا غير مسبوق، على خلفية ترميم التسوية الرئاسية مع الوزير باسيل بشكل أساسي، فالحريري أراد ضرب عصفورين بحجر واحد، من خلال عدم تغطية ما حصل في قبرشمون من ناحية، وعدم المشاركة في مواجهة جنبلاط من ناحية أخرى، خصوصاً أن لا مصلحة عملية له في ذلك، نظراً إلى أنه يعتبر نفسه في مواجهة غير معلنة مع رئيس التيار الوطني الحر حول الصلاحيات، ما ترجم من خلال رفضه طلب إحالة الحادثة على المجلس العدلي، ما دفع باسيل إلى توجيه رسالة له عبر تعطيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء أول من أمس.

في المحصلة، تمكنت حادثة قبرشمون أن تعيد الاصطفافات السياسية إلى ما كانت عليه، وجعلت من وليد جنبلاط الحلقة الأضعف في مواجهة مباشرة مع التيار الوطني الحر الذي يرفض أن تمرّ هذه الحادثة مرور الكرام.