لطالما كانت ​اسرائيل​ مصرّة على كسر ما اصطلح على تسميته "المقاطعة العربية" لها في المجالات كافة وبالاخص سياسياً واقتصادياً، ولا شك انه أمر مؤلم للمسؤولين الاسرائيليين عدم الاستفادة من الاموال العربية التي يصلهم جزء منها عبر البوابة الاميركيّة، ولكنهم يطمعون بنسبة اعلى بكثير كي يتنعموا بالعيش برفاهية وينضمون الى جوقة "مستغلّي" الثروات العربيّة التي غذّت الغرب -ولا تزال- لعقود طويلة.

اليوم سقطت هذه "المقاطعة" بشكل رسمي بعد ان تمّ اسقاطها بالشكل عبر مفاوضات السلام المباشرة التي اجراها ال​فلسطين​يون مع الاسرائيليين والتي لم تؤدّ الى ايّ نتيجة ملموسة، لا بل زادت الوضع سوءاً. "جرافة" الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ فعلت فعلها، وجرفت كل العوائق بوقت قياسي، للوصول الى الصورة الحالية التي تغنّى بها وزير الخارجية الاسرائيلي ​يسرائيل كاتس​ وهو يبتسم في دولة الامارات العربية المتحدة للمشاركة في مؤتمر للامم المتحدة حول البيئة.

تبيّن في نهاية المطاف ان اسرائيل لم تكن بحاجة الى هذا الكمّ من السلاح والاعمال الوحشية بحق الفلسطينيين والاعتداء على لبنان واللبنانيين للبدء باستغلال الثروات العربية، وان كل ما كان يحتاجه الامر هو مزيج من شخص بنموذج دونالد ترامب يضاف الى "فزّاعة" ايران، فتصبح النتيجة مضمونة بكسر المقاطعة العربيّة دون عناء او سلاح او خسائر قد تقلق الاسرائيليين. وهكذا، تحولت ايران الى سلاح اسرائيلي فتّاك في وجه المقاطعة العربية، وباتت اسرائيل احد اللاعبين الاساسيين في انقاذ العرب، والخليجيين بشكل خاص، من تهديد يرون انه يهدد مستقبلهم وربما وجودهم. اصبح من الطبيعي رؤية مسؤولين عرباً يتحدثون الى وسائل الاعلام الاسرائيلية عن رغبتهم في التواصل المباشر من اجل طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة، كما بات من الطبيعي ايضاً ان يطلب العرب صور "سلفي" مع مسؤولين اسرائيليين سيتنقلون في المستقبل القريب جداً من بلد عربي الى آخر لعقد مؤتمرات وربما القاء محاضرات عن السلام والتسامح وحقوق الانسان والعدالة.

ومن غريب الصدف ان يتحول الى "مجرم" كل عربي من يقاطع الاسرائيليين في أيّ مجال (اقتصادي، سياسي، مالي، رياضي...)، فيما سيقوم العرب بزيارة القدس كعاصمة لاسرائيل بعد ان تكون ​القضية الفلسطينية​ قد اصبحت من الماضي، واسم فلسطين مذكور فقط في كتب التاريخ.

نجح الاسرائيليون في استراتيجيتهم القائمة على الرهان على الوقت والنسيان و... ايران، لتفكيك الصف العربي، فيما سقط العرب في امتحان التضامن والتكاتف للدفاع عن حقوقهم وعن مصالح شعوبهم، ولم يعد هناك من مجال لاعادة احياء المبادرة العربية للسلام كونها باتت قديمة الطراز والمضمون، وبات لزاماً على كل من يريد التحدث عن السلام، القبول بأن الثمن يجب ان يكون التطبيع والحصول على اراض عربية من هنا وهناك. هذه الضريبة التي ستقررها اسرائيل و​اميركا​، وسيقبلها العرب على انها "فرصة" لا تفوّت يجب استغلالها والا "طار السلام" ومفهومه.

يجب الاعتراف بأن فكر الاسرائيليين سبق الفكر العربي بأشواط، وانه من المنصف القول انّ "​صفقة القرن​" لم تعد اساسيّة او حاجة الى الاميركيين او الاسرائيليين لتغيير وجه المنطقة، فها هم العرب برضاهم، يسيرون الى المكان المعدّ لهم لتقديم قضيتهم وثرواتهم وارضهم ذبيحة يرضى عنها الاسرائيليون.

سبعة عقود من ازمن كانت كفيلة بتطيير حلم دولة فلسطين واستعادة القدس وغيرها من الاراضي المحتلة، ولن يحتاج الوقت الى ربع هذه المدة الزمنية من اجلرؤية الاسرائيليين يسرحون ويمرحون في الدول العربية، ليس للتمتع بجمالها، بل من اجل تعبئة جيوبهم من ثرواتها.