هل فعلاً صار من المُمكن وصف ​لبنان​ بالبلد النفطي، أي من الدول التي تستخرج مُشتقّات ​النفط والغاز​ وتُصدّرها إلى الخارج؟ وإذا كان هذا الأمر صحيحًا، أين هي المكاسب الماديّة والماليّة، ومتى ستظهر بشكل ملموس يطال شرائح واسعة من اللبنانيّين؟.

بعيدًا عن الإستعراضات السياسيّة والإعلاميّة التي تُرافق حديث بعض المسؤولين بشأن عُقود إستخراج النفط والغاز، لا بُدّ من التذكير بأنّ هذه العمليّة مُعقّدة وطويلة، وقد أنجز لبنان جزءًا من الخطوات المَطلوبة منه، لكن تبقى خُطوات إضافية يجب إنجازها، قبل أن يبدأ اللبنانيّون بتلمّس تحوّلهم إلى بلد نفطي، مع ما يُفترض أن يعنيه هذا الأمر من بحبوحة ماليّة–إذا جاز التعبير! وفي هذا السياق، وقّع لبنان في التاسع من شباط من العام 2018 الماضي، عُقود إتفاقيّتي النفط والغاز للبلوكين 4 و9 مع "كونسورتيوم" يضمّ ثلاث شركات عالمية، هي: "توتال" الفرنسيّة، و"إيني" الإيطاليّة، و"نوفاتك" الروسيّة، ثم أطلقت السُلطات اللبنانيّة بعد ذلك عمليّات المسح الزلزالي بأجهزة مُتطوّرة للمواقع الجغرافيّة التي يُعتقد بأنّها تتضمّن كميّات كبيرة من النفط أو الغاز، وتمّ بيع هذه المُسوحات الزلزاليّة. ودخل لبنان في الأسابيع القليلة الماضية مرحلة حفر الآبار الإستقصائيّة التي تليها مُباشرة مرحلة حفر الآبار التجريبيّة على أعماق كبيرة تُقدّر بآلاف الأمتار تحت قاع البحر. ومن المعروف أنّه يتمّ دائمًا حفر آبار تجريبيّة، لتقدير كميّة الغاز الموجودة مثلاً، ولأخذ عيّنات منها بغرض دراستها وتحليلها وتقييم نوعيّتها.

وبالتالي، لا يُمكن الحديث عن التحوّل إلى بلد نفطي، قبل إنتهاء هذه المرحلة والحُصول على نتائج إيجابيّة تسمح بالإنتقال إلى الخُطوة التالية، أي الإعلان رسميًا عن إكتشاف تجاري يستحقّ الإستثمار، والقيام بتوقيع العُقود التسويقيّة بناء على ذلك. وعندها تبدأ الأعمال الميدانيّة الخاصة بإنشاء البنى التحتيّة والمنصّات العائمة وإستقدام كل ما يلزم من معدّات وتجهيزات للمُباشرة بعمليّات الإستخراج، والتي تترافق مع تجهيزات التخزين ومعدّات التكرير، وكذلك مع تجهيزات التصدير إلى الخارج. وإذا كان من شأن التحضيرات لإطلاق عمليّات التصدير، أن تُحرّك بعض القطاعات، وأن تضخّ بعض الأموال في ​الإقتصاد اللبناني​، فإنّ الحديث عن أرباح فعليّة وكبيرة من قطاع النفط أو الغاز، لا يبدأ جديًا إلا مع إنطلاق عمليات التصدير والبيع، وهي مسيرة مُنتجة يُمكن أن تستمر لعقدين أو أكثر، تبعًا لمخزون كل بئر محفور.

وإضافة إلى التعقيدات العملانيّة التنفيذيّة، والتي تتطلّب وقتًا، على لبنان أيضًا تجاوز كل الخلافات الداخليّة التي تُنظّم القطاع النفطي، لجهة حسم وجهة إستخدام الأموال التي سيكسبها لبنان الرسمي من هذا القطاع، وحسم السُلطة أو السُلطات التي ستُدير أعمال هذا القطاع. أكثر من ذلك، على لبنان أيضًا مُعالجة المشاكل السياسيّة-الأمنيّة التي تواجه هذا القطاع، لجهة إزالة أي خلافات ذات بُعد إقليمي أو دَولي، أكان مع ​سوريا​ أو مع ​إسرائيل​، أو مع أي دولة أخرى، بشأن ملكيّة بعض البلوكات البحريّة، وحريّة العمل فيها، علمًا أنّ أعمال الحفر يُفترض أن تبدأ–بحسب الخطّة المَرسومة، في البلوكين رقم 4 ورقم 9، ما يستوجب إزالة أي شُبهات بشأن مُلكيّة المواقع البحريّة التي يقعان فيها.

في الختام، يُمكن القول إنّ لبنان صار بلدًا نفطيًا، أو على الطريق لأن يُصبح كذلك–لنكون أكثر دقّة، لكنّ تحقيق مداخيل مالية مُباشرة من عمليّات إستخراج النفط والغاز وبيعها لن يتحقّق قبل نحو 8 سنوات من اليوم. وفي الإنتظار ستنتعش بعض القطاعات الإقتصاديّة بشكل محدود وجزئي، وُصولاً إلى ذروة الإستفادة من عمليّات التصدير بعد نحو عقد من اليوم، مع كل الإنعكاسات الإقتصاديّة الإيجابيّة المُنتظرة لهذا الأمر. وحتى ذلك الحين، على لبنان إنهاء المشاكل على المياه الإقليميّة، وحسم خياراته بالنسبة إلى كيفيّة إدارة قطاع النفط والغاز وكذلك بالنسبة إلى أفضل السُبل لتوظيف عائداته الماليّة، والأهم أنّه على لبنان وقف الغرق في الدُيون، حتى لا تذهب كل الإٍكتشافات المَوعودة سُدى، لجهة توظيفها إضطراريًا في تسديد الديون المُتراكمة، بدلاً من تحسين الوضع الإقتصادي وتنمية المُستوى المعيشي والحياتي للبنانيّين عُمومًا.