لم يكن ينقص اللبنانيين سوى الخلاف بين مكونات مجلس الوزراء على إحالة حادثة ​قبرشمون​ الى ​المجلس العدلي​. المنطقة تغلي على وقع التوتر الأميركي - الإيراني، الوضع الإقتصادي والإجتماعي يتدهور، المخاوف من الإفلاس والإنهيار تتصاعد، الملفات المعيشية والبيئية تتراكم.. وغيرها من التحدّيات التي تتطلب الإستنفار ومضاعفة الإنتاجية. ومع ذلك، فإنّ الحكومة تُصاب بالشلل في هذا التوقيت الحساس!

يعرف أهل السلطة انّهم لم يعودوا يملكون ترف إضاعة الوقت، وانّ كل يوم يمرّ من دون التقدّم الى الأمام في معالجة الأزمات المتفاقمة، يعني مزيداً من التقهقر الى الوراء على كل المستويات. لكن المفارقة، أنّ هناك من لا يزال يستهتر بهذا الخطر الداهم، معتقداً أنّ في إمكانه التحايل عليه، في لعبة تشاطر، غير محمودة العواقب.

وإذا كانت صرخة الناس تعلو تحت وطأة الضغوط اليومية، فإنّ اياً من المعنيين بمعركة «عضّ الاصابع» بين قوى الحكومة لم يصرخ بعد، إذ لا يزال النائب ​طلال ارسلان​ وحلفاؤه يصرّون على إحالة حادثة قبرشمون الى المجلس العدلي، بينما يستمر ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ وأصدقاؤه في «الممانعة».

أما خيار التصويت، فيبدو أنّه ليس مرغوباً فيه حتى الآن، خشية من تداعياته المحتملة على جسم الحكومة الهش، علماً أنّ الحساب الأولي يُبيّن انّ هناك شبه تعادل في توزع الاصوات بين الـ»مع» والـ»ضد»، مع الأخذ في الاعتبار انّ تيار «المردة» - الذي طُرحت تساؤلات حول حقيقة موقفه - سيكون على الأرجح منسجماً مع «حزب الله» في وجهة التصويت، على قاعدة انّ «التحالف الإستراتيجي» بينهما هو فوق كل اعتبار.

ولعلّ الصورة التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وضمّت الوزير السابق ​سليمان فرنجية​ الى المعاون السياسي للامين العام لـ»حزب الله» ​حسين خليل​ في اهدن، في حضور الوزير ​يوسف فنيانوس​، عكست من خلال توقيتها وطابعها الودّي رمزية سياسية قابلة لأكثر من تأويل واجتهاد. وعندما سُئل أحد قياديي «المردة» عن دلالات لقاء إهدن، اكتفى في ردّه بما قلّ ودلّ، قائلا: «الصورة تتكلم».

ووسط الإنقسام الحاد حول خيار المجلس العدلي، واصل الرئيس ​نبيه بري​ سعيه الى تدوير الزوايا، فالتقى نهاراً الرئيس ​ميشال عون​ في ​قصر بعبدا​، فيما كان رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير ​جبران باسيل​ يطل في مقابلة تلفزيونية مساء عبر محطة «إن. بي. إن»، علماً انّ الوزير ​علي حسن خليل​ كان قد ظهر الثلثاء الماضي عبر محطة «أو. تي. في» البرتقالية، ما يوحي أنّ بري قرّر في هذه المرحلة تفعيل دور «المنطقة الخضراء» في ​عين التينة​، كمساحة للتقاطعات والمصالحات، جمعت حتى الآن الرئيس ​سعد الحريري​ والنائب السابق ​وليد جنبلاط​ وقد تجمع آخرين في المستقبل، أو أقله ربما تمهّد لذلك.

في هذا الوقت، لم يعط النائب السابق وليد جنبلاط أي اشارة بعد حول إمكان تراجعه عن اعتراضه على إحالة ملف واقعة قبرشمون الى المجلس العدلي. ويشير مصدر قيادي في الحزب الاشتراكي الى «أنّ الموقف الرافض سلوك هذا الاتجاه القضائي انما هو نابع من اعتبارين: الأول، إنّ الموافقة على اعتماد المجلس العدلي سيعني اننا اعترفنا ضمناً بأنّ مكمناً نُصِبّ لاغتيال وزير، ونحن نجزم بأنّه لم يكن هناك مكمن مدبّر، والثاني، انّ أحكام المجلس مُبرمة ولا مجال لاستئنافها».

على المقلب الآخر، يتساءل المقتنعون بموقف ارسلان وحلفائه: إذا كان لا يصح ان يتسلّم المجلس العدلي قضية بحجم اطلاق النار على وزير في الحكومة وقتل ضحيتين في موكبه، مع ما كان سيرتبه ذلك من فتنة وضرب للسلم الاهلي، فمتى يُستعان بهذا المجلس المعني بالقضايا التي تهدّد ​أمن الدولة​، وهل من تهديد أكبر واخطر من ذاك الذي عكسته موقعة قبرشمون؟».

والى حين اتضاح المسار الذي ستتخذه هذه الأزمة المستجدة، يواصل الحزب الاشتراكي «تسويق» روايته لما جرى في الجبل الأحد الما قبل الماضي، عبر جولاته على اقطاب القوى السياسية، والتي قادته امس الى بيت الكتائب في ​الصيفي​، حيث التقى وفد منه النائب ​سامي الجميل​، في وقت يستعد باسيل لزيارة الجنوب بعد زيارة الشمال، التي أفضت الى ارتفاع حدة التوتر والسجال بين «التيار الحر» و»القوات اللبنانية».

وفي سياق متصل، كشفت مصادر واسعة الاطلاع انّ رئيس حزب «القوات» ​سمير جعجع​ نصح بعض حلفائه، ومن بينهم الحزب الاشتراكي، بالسعي الى عدم إعطاء باسيل ذرائع، قد تفيده سياسياً، من خلال استثمارها في الوسط المسيحي.