هُنَّ ستّ حَسْناوات، نصفهنَّ من القاطِنين في بلدة "​رأس بعلبك​" البقاعيَّة، وما تبقَّى فَمن سُكَّان ​بيروت​ ولكن أَحد الأَبَوين أو كليهما من البلدة. يَجْتَمِعْن في المُناسبات، فيَكون "لِقاء الأَحبَّة"...

قبل أَنْ تَقْصد "البَيْروتيَّات" البَلْدة، تَبْدأ الاتِّصالات عبر "الواتْسأَب"، فَتُرْسَمُ كُلُّ التَّفاصيل، ولا يَنْتَهي التَّواصل القائِم لمُجرَّد وصول "البَيْروتيَّات"، بل يَدْخل في مَرْحلةٍ جَديدةٍ: مَرْحلة البَحْث في تَفاصيل اللِّقاءات وبَرْنامج الأَنْشطة!...

دور بِتْرا، لين، وماري بيل، وَضْع الرَّفيقات الثَّلاث الأُخرَيات في "آخِر التَّطوُّرات" ذات الاهْتِمام المُشْتَرك في "رأس بعلبك"، كَوْنهنَّ من السَّاكِنات في شِكلٍ مُسْتمرٍّ هُناك، وما على سَحَر والتَّوأمَين لوريسَّا وماري نويل، الآتياتِ من جديدة المَتن، إِلاَّ اسْتِكمال المَهمَّة، واقْتِراح البَرْنامج الحافِل بالأَنْشطة: اللِّقاء في اسْتِراحةٍ مُسْتَحْدَثَةٍ بالقُرْب مِن "كَنيسة ​مار الياس​" خلال الغُروب، زيارة "مار توما" بالسيَّارة في اليَوْم التَّالي قبل الظُّهر، ومن ثمَّ الالْتِقاء مُجدَّدًا بعد الظُّهر في الباحة الخارجيّة لـ "دير سيِّدة رأْس بَعْلبك العَجائبيَّة"، وطبعًا حصَّة "السِّيلفي" ومُخْتَلف أَشْكال التَّصْوير مَحْفوظة في كلِّ هذه الأَنْشطة الاجْتِماعيَّة والتَّرْفيهيَّة!.

في الظَّاهر يَبْدو المَوْضوع إِلى الآن شَأْنًا خاصًّا بالحَسْناوات الستِّ، ولَكن في العُمْق يُجسِّد إِيْجاد رابطٍ اجْتِماعيٍّ، يُشْعر جيل اليَوْم بِضَرورة انْتِمائه إِلى أَرْض أَهْله وأَجْداده، فكيف بالحريِّ إِذا كان هذا الجيلُ من "المُهجَّرين" الَّذين لا شَيْء يَرْبطهم بأَرْض الأَجْداد إِلى الآن؟... إِنَّها أَزْمة جُذورٍ غَيْر مَوْجودةٍ أَصْلاً!.

وتُعَدُّ الحَسْناوات الستُّ مِن المَحْظوظات، مُقارنةً بِبَعْض هذا الجيل الطَّالع، الَّذي لا يَعْرف حتَّى الطَّريق إِلى أَرْض أَجْداده...

والأَدْهى أَنَّ الظُّروف السِّياسيَّة في لُبْنان، لا تَسْمح بعَوْدةٍ كَريمةٍ للمُهجَّرين إِلى قُراهُم وبَلْداتِهم... بعد حَوالي ثَلاثة عُقودٍ من انْتِهاء "حَرْب الآخَرين على الأَرْض اللُّبْنانيَّة"!.

هي مَهمَّةٌ شِبْه مُسْتحيلةٍ، على عاتِق وَزير المُهجَّرين غسَّان عطا الله، العامِل لَيْل نَهارٍ على تَرْميم "مُصالَحةِ الجَبل"، الَّتي باتَتْ أَشْبه بِصَبيَّةٍ في سنِّ الرُّشْد، باتَ لباسُها باليًا، رثًّا، مُهْترئًا، بِسبب العَوامل السِّياسيَّة ومُناخ اللا اسْتقِرار، وغِياب شُروط العَوْدة الكَريمة: مِياه، كَهْرباء، مَدارس، مُسْتشفيات، مَصانع ومَجالات عَمَلٍ...

وحين تَسْتبدِل "مُصالحة الجَبل" ثَوْبها، ليُجاريَ مُتطلِّبات العَصْر، يُفكِّر المُهجَّرون حينَذاك، بالعَوْدة إِلى قُراهم وبَلْداتهم، فتُرمَّم مَنازل البَعْض، ويُعاد بِناء مَنازل تَهدَّمَت بالكامِل... وحينَذاك تَلْتقي حَسْناوات لُبْنان، مِن كلِّ القُرى والبَلْدات، الأَطْياف والمَشارب، فَتتخالَط لتُشكِّل نَسيجًا اجْتِماعيًّا واعدًا...

وإِلى جانِب وزارة المُهجَّرين، على الجَميع التَّكاتُف والتَّضامُن من أَجْل إِشاعة مُناخٍ صحيٍّ يُشجِّع على العَوْدة، وهذا ما سَعَت إِليهِ ضمنًا جمعيَّة "جائِزة الأَكاديميَّة العربيَّة"، مِن خِلال إِصْدارها وَثيقة "بالمحبَّة نَبْنيه"... المُسْتَوحاة من وَثيقة أَبوظبي، الَّتي وقَّعها في 4 شباط الماضي قَداسة ​البابا فرنسيس​، وشيخ الأَزْهر أَحْمد الطيِّب، فما كان من "جائِزة الأَكاديميَّة" إِلاَّ أَنْ "لَبْننَت" تلك الوَثيقة وولَّفَتْها، لتُحاكيَ الحاجَة اللُّبْنانيَّة إِلى السَّلام، والسَّلامُ لا يَأْتي مِن دون المَحبَّة... كما وسَتَسْعى الجَمْعيَّة إِلى نَشْر الوَثيقة على خطَّيْن اثْنَيْن: شعبيٍّ بالتَّنْسيق مع بَعْض البلديَّات، وتَرْبويٍّ بالتَّنْسيق مع بعض المَدارس.

إِنَّ بِنْيان الوَطن لا يَكُون إلاَّ بالمَحبَّة، ومن ثمَّ المحبَّة ولا شَيْء غيرها!. والمحبَّة تَلْزَمُها جرأةٌ: فمَن مِن المَسْؤولين السِّياسيِّين "الأَقْطاب"، يتحلَّى بها؟ وهَل تسْمَح لنا بِها الدُّوَل النّافذَة؟...

ينبغي أَلاَّ نتوقَّف عند الشِّعارات المَوْسميَّة الرَّافعة لواء المُصالَحة يومًا واحدًا في السَّنة، والمَهْرجانات الخطابيَّة الّتي ما إَنْ تَنْتهي، حتَّى يعود كلٌّ إِلى "كونْتونَه" فتُراق الدِّماء البريئة ويَسْتعر الخطاب، ويَسود الشَّحْن المناطقيُّ الفِئويُّ الهدَّام!.

ربّاه عَفْوَك: هل حانَت ساعَة الصَّحْوة الوطنيَّة؟... إِنَّ "غدًا لناظره قريب"!.