كعادته، يطلق الامين العام ل​حزب الله​ سلسلة مواقف عند اطلالاته الاعلامية او حين يتوجه الى مناصريه ومؤيديه في مناسبات معيّنة يحددها الحزب. ومن الدولي الى الاقليمي الى المحلي، تبقى هذه المواقف على طاولة التحليل للكثير من المتابعين والمهتمين، وقد حددوا في الحديث الاخير لنصرالله، نقطتين رأوا انهما اساسيتان لاستشراف المرحلة المقبلة. النقطة الاولى دولية-اقليمية وتتعلق بالحرب على ايران، والثانية محلية وتتركز على ترسيم الحدود ودورالحزب في ​سوريا​.

في الشق الاول من التحليل، يرى المتابعون انه في مقابل استبعاد نصر الله ايّ حرب على ابواب الصيف قد تشنّها ​اسرائيل​ على ​لبنان​، فإن الحرب على ايران ايضاً مستبعدة، ولكنه لم ينف بشكل مطلق امكان حصول ضربة عسكرية محدودة، وهو لذلك اطلق سلسلة تحذيرات من استعداد ايراني للذهاب الى النهاية في هذا المجال، وكأنه يقول ان ليس لدى ايران ما تخسره، وكان لافتاً جداً في هذا المجال التساؤل حول مصير ​الامارات​ العربية المتحدة والدمار الذي قد يلحق بها. وفي هذا السياق، اعتبر المتابعون ان هذه الرسالة لا تتوقف فقط عند الامارات، بل تطال ​دول الخليج​ كافة، وهي بمثابة تحذير من ان الردّ الايراني لن يقف عند الحدود الجغرافيّة لايران، بل سيؤدّي الى عدم استقرار المنطقة بأكملها وسيطيح بالسلطات الحاكمة في الدول الخليجيّة بما يغيّر صورة المشهد العربي عموماً والخليجي بشكل خاص. هذا التحذير لم يعتبره المتابعون قابلاً للتطبيق، لانّ الحرب لن تقع باعتراف الجميع ومن بينهم نصر الله نفسه، كما انّ تغيير وجه المنطقة يحتاج الى توافق اميركي-روسي بالحد الادنى لحصوله، وهو امر لا يصب في مصلحة ايّ من البلدين الكبيرين، فيما شدد الامين العام لحزب الله على العلاقة الطيبة التي تجمع ايران ب​روسيا​، وهذا ما يعني ان الروس على تواصل مع الايرانيين في شتى المواضيع وبالتحديد في الموضوع العسكري، ولن يخاطر الروس او الاميركيين او حتى الايرانيين بخسارة "شعرة معاوية" التي تربط المشهد العام في هذه الفترة. وعليه، وفي حال حصول ضربة محدودة، فإن الرد سيكون محدوداً ايضاً ولن يتطور الى حد اندلاع حرب لن يقدر احد على التحكم بها ومعرفة مدى تطورها، فيما ستكون مصالح الدول الكبرى على المحكّ، في مشهد لن تتقبّله هذه الدول.

اما في النقطة الثانية والمتعلقة بلبنان، فقد اعتبر المتابعون ان كلام نصر الله حمل طمأنة الى ان الحرب مستبعدة وربما تكون بعيدة جداً في اقصى الاحتمالات، متوقفين عند الحديث شبه المفصّل لصورة رد الحزب على ايّ حرب قد تشنّها اسرائيل على لبنان معدداً المناطق والاهداف، بما يعني ان "توازن الرعب" لا يزال قائماً، مع اضافة ميزة قديمة-جديدة الى المعادلة هي "اقتحام الجليل". هذا الموقف تزامن مع الاعلان عن تخفيف الوجود العسكري للحزب في سوريا، بما يعني انه (اي الحزب) بات اكثر استعداداً لمواجهة اي حرب في المستقبل، كما انّه يعني ضمناً ابقاء النفوذ الكافي له في سوريا كي يبقى على طاولة القرار (كان اشار الى مشاركة حزب الله في اجتماعات بين الروس والايرانيين والسوريين في سوريا). وتخفيف هذا التواجد يلبّي ايضاً احد المطالب المحليّة لمعارضي الحزب، ويعزّز مسألة "​النأي بالنفس​" ولو انها تبقى شكليّة فقط، لان الوجود السياسي للحزب باقٍ من خلال بعض العناصر المتواجدة على الارض والتي ستبقى هناك. وتتمتع مسألة تخفيف عناصر الحزب في سوريا، بميزة اخرى وهي تخفيف نسبة المواجهة مع اسرائيل، لان نصر الله التزم بالرد على ايّ هجوم يتعرض له حزب الله في سوريا، وتخفيف العناصر يعزّز فرضيّة عدم استهدافهم وبالتالي يقلّص نسب المواجهة.

كما اعطى نصر الله لمحة عن الازمة مع ​الولايات المتحدة​، كاشفاً عن محاولة اميركيّة لفتح خطوط مع الحزب، وحلاً للدولة اللبنانية في التعامل مع العقوبات الاميركية على اعضاء من حزب الله عبر التشديد على ان الأخير شريحة من ​المجتمع اللبناني​ ولا يمكن لاحد ان يفعل شيئاً في هذا المجال، سوى ان يشرح للاميركيين هذا الواقع، وعدم القدرة على ازاحة هذه الشريحة الكبيرة من المعادلة اللبنانية، لان فيها تقويض للاستقرار الذي يعيشه لبنان ويطلبه الخارج.

هناك الكثير ايضاً مما يمكن التوقف عنده في كلام نصر الله، ولكن الاهم يبقى في ان الاطلالة بدت وكأنها لبث مشاعر الطمأنينة، وان التصعيد الكلامي اتى فقط في سياق التحذير ونشر بعض الرسائل وليس لعكس واقع قد نشهده في المستقبل القريب.