يَعْتَمد اقْتِراح "قانون صَحْناوي" التَّرْبويّ الَّذي تَقدَّم بِه عضو "تكتُّل ​لبنان​ القويّ" النَّائب نقولا صَحْناوي بِدايَة آذار الماضي إِلى مجلس النُّوَّاب، وتَناول فيه اقْتِراح القانون الرَّامي إِلى تَعْديل مَناهج التَّعليم العامّ ما قبل الجامعيِّ، وإِدْخال مادَّة البَرْمجة والرُّوبوتيك والذَّكاء الاصْطِناعيّ، على "البَرْمَجة، الَّتي هي في الأساسِ تعليماتٌ رقميَّةٌ مَكْتوبةٌ، لجعل جِهاز المَعْلوماتيَّة يَفْهم وجوب أَنْ يَقوم بإِجْراء ما، ولذلك ثمَّة "لغاتٌ" للبَرْمجة... وأَمَّا "الرُّوبوت"، ذاك الجِهاز التِّلقائيّ فيُؤمِّن مُعالَجة الأَشْياء أو تنفيذ العمليَّات وَفْقًا لبرنامجٍ ثابتٍ أَوْ قابلٍ للتَّعْديل أو للتَّكيُّف.

وكَوْنَنا في "جائِزة الأَكاديميَّة العربيَّة" مَعْنيِّين بمُواكبة مَسار هذا القانون، إِيْمانًا منَّا بِجَدْواه التَّرْبويِّ التَّكامُليِّ مِن ناحية، ولأنّه يُحاكي ويُجسِّد تَطلُّعاتنا إِلى تَرْبيةٍ حديثةٍ تُماشي العَصْر ولا تُشكَّل انْفِصامًا تجاهَه، مِن ناحيَةٍ أُخرى، فقد واكبنا المشروع منذ إِطلاقِه في آذار الماضي بمقالة نُشرت هُنا، على مَوْقع "النَّشْرة"، ونَسْتَكمل الآن مُتابعة بُنود المشروع، على الأَمل في ألاَّ يَبْقى سَجينًا في "جوارير" المَجْلس، شَأْنه في ذلك شَأْن الكَثير من المَشاريع...

وما دام الاقْتِراحُ يَعْتَمِد على "البَرْمَجة، فقد باتَ على المُتَعلِّمين أَنْ يُحدِّدوا المَهمَّة الَّتي يُريدون إِتْمامها بواسطة "الرُّوبوت" وتَصْميم الرَّمْز (التَّعْليمات) لتَحْقيق ذلك، ومن ثمَّ إِرْساله إِلى "الرُّوبوت" لعرض النَّتيجة، ما يَسْمح للمُتعلِّمين بِمُشاهدة تَفْكيرهم بطريقةٍ حقيقيَّةٍ أَثْناء أَداء تَجْربتهم للبَرْمجة الَّتي قاموا بها، ومُواجهة الأَخْطاء وتَصْحيحها، كَي تُنْجَز المَهمَّة وتُنفَّذ التَّعْليمات المَطْلوبَة... ما يَسْمح بالتَّالي، بتَطْوير الذَّكاء الاصْطناعيِّ البَسيط والشَّامل، أَيْ تُدرِّب الآلَةُ المُتَعلِّم كَيْف يُنْجِزُ المَهام باسْتِخْدام ذَكائه!.

وتُبرِّر إِيْجابيَّات مادَّة البَرْمَجة، "الرُّوبوتيك" والذَّكاء الاصْطِناعيّ–بحسب ما وَرد في مَشْروع صَحْناوي، إِدْخالها في مَناهج التَّعْليم العامِّ ما قبل الجامِعيِّ، وَمِن هُنا فقد اعتُمِدَت في المَناهج الدِّراسيَّة في ​بريطانيا​، إِيْطاليا، ​فنلندا​، ​فرنسا​ وغيرِها من الدُّوَل المُتَطوِّرة...

ومن النَّاحية الاقْتِصاديَّة، فإِنَّ "تكنولوجيا المَعْلومات والاتِّصالات" القائِمة على البَرْمَجة المَعْلوماتيَّة، مَوْجودةٌ في كلِّ مكانٍ، وعلى كلِّ المُسْتَويات، وتَأَثَّرت فيها كلُّ الصِّناعات والمِهَن. كما وأَنَّ تِكْنولوجيا المَعْلومات والاتِّصالات تُعدُّ أَمْرًا حَيويًّا للابْتِكار، وفي اقْتِصاد اليَوْم ما هُو قائِم على المَعْرفة والابْتِكار، في عَصْرٍ فرضَ عَلَيْنا تَدْريب المُواطِنين على المُجْتمع الرَّقْميّ، فـ"الثَّقافة الرَّقميَّة باتَت شَرْطًا للمُشارَكة في مُجْتَمع القَرْن الحادي وعِشْرين فَهْي تُساعد أَيْضًا في رِيادة الأَعْمال.

مزايا تَعَلُّميَّة

وللبَرْمَجة إِيْجابيَّات على الصَّعيد التَّعلُّميّ، ومِنْها تَعْزيز سُبل حلِّ المُتَعلِّم المُعْضِلات (Problem Solving)، وتَحْفيز التَّفْكير المَنْطِقيّ والمُثابرة في حلِّ المُشْكلات الطَّارِئَة، والمُساعَدَة في تَطْوير مَهارات التَّحْليل، النَّقد، التَّخْطيط، والتَّجْريد، وتَنْميَة العَمل الجَماعيّ والتَّعاون، كما وتَرْقى بالمَدْرسة إِلى العَصْر الرَّقميِّ، وتُسْهم تاليًا في "خَلْق المُحْتوى" ولَيْس فَقَط "استهلاكه"، وبِتَعْبيرٍ آخَر، هي تُفسِح في المَجال للانْتقال من مُجْتمعٍ مُسْتهلكٍ، إِلى مُجْتَمعٍ مُنْتِجٍ!.

كما وتُساهم البِرْمَجَة في تَطْوير القُدُرات، وتُساعد في التَّعْبير في شَكْلٍ مُخْتلف، أَيْ مِن شَأْنِها أَنْ تُنَمِّيَ "الذَّكاءات المُتَعدِّدَة" لدى المُتَعلِّمين. وهي أَيْضًا تُحفِّزهُم على مُواجَهة "المَخاطر"، مِنْ دون أَنْ يَتَعرَّضوا لنَتائجَ سلبيَّةٍ. وكذلك تُعزِّز الثِّقة بالنَّفْس، وتَسْمح في شُمول كلِّ المُتعلِّمين، وتوضِح عَمليًّا عددًا كبيرًا من المَفاهيم في الرِّياضيَّات وقَواعد الصَّرْف والنَّحو.

وفي اقْتِراح صَحْناوي، اسْتِبدال مادَّة المَعْلوماتيَّة بمادَّة "البَرْمجة، الرُّوبوتيك والذَّكاء الاصْطِناعيّ"، وتَخْصيص هذه المادَّة بحصَّةٍ أَسْبوعيَّة على الأَقلّ في المَرْحلتين المُتوسِّطة والثَّانوية، في المَدارس الرَّسْميَّة والخاصَّة.

كما ونصَّت المادَّة السَّادسة على إِبْقاء "مُحْتوى مادَّة البَرْمَجة، الرُّوبوتيك والذَّكاء الاصْطِناعيّ... قَيْد الدَّرس المُسْتمرّ"، على أَنْ تُجْرى "إِعادة النَّظر فيه ويُعدَّل كلّ ثَلاث سَنوات، عند الاقْتِضاء، بتعاميم يصدرها وزير التَّرْبية الوطنيَّة والشَّباب والرِّياضة بناء على اقْتِراحات يَضَعُها مجلس الأخصائييِّن في المَرْكز التَّرْبوي للبُحوث والإِنْماء وَفق الأُصول المُعْتَمدة لتعديل المَناهج".

فهل يُبْصِر المَشْروع النُّور، أَم دونَه مُناكَفاتٌ سياسيَّةٌ وصَلت تَجاوَزَت حُدود التَّربيَة؟.