إنه التخبُّط...

وهذا ليس توصيفًا مبالغًا فيه، بل هو الواقع:

موازنة تُناقَش بتأخير تسعة أشهر.

موازنة تٌناقش من دون أن يسبقها قطع الحساب.

موازنة قدَّمتها حكومة غير متجانسة، نصفها مختلف مع نصفها الآخر، ومرَّ عليها ثلاثة أسابيع من دون ان تعقد أي جلسة لها.

موازنةٌ نفقاتها مؤكدة لكن إيراداتها غير مضمونة، فماذا ينفع رفع ​الضرائب​ وزيادة الـ TVA إذا كان الشعب في ضيق الحال؟ فإذا كان غير قادر على دفع نسبة الـ TVA الحالية، فكيف سيدفعها حين ترتفع؟

***

وإذا لم يكن هذا هو التخبُّط، فماذا يكون؟

ولأن الأمر كذلك، فإن بعض المسؤولين وضعوا إصبعهم على الجرح، ومن أبرزهم رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ الذي أجرى عرضًا بانوراميًا للواقع الحالي، وخلُص إلى انه من غير الطبيعي ان تتعطّل ​الحكومة​، ومن شأن ذلك ان يلقي بمزيد من الاضرار على وضعنا الداخلي الذي يحتاج الى متابعة حكومية حثيثة له في شتى المجالات.

الرئيس بري لم يكتفِ بذلك، بل رسم خارطة طريق للحكومة، وما يجب عليها أن تقوم به: "واجب الحكومة ان تنعقد لإحالة قطع حساب 2017 الى المجلس، لتمكين المجلس من القيام بمهامه. تستطيع الحكومة ان تنعقد ولو بجدول أعمال من بند وحيد، وهو إحالة قطع الحساب الى المجلس، فالتأخير ينطوي على سلبيات وأضرار".

ويختم الرئيس بري بدق ناقوس الخطر: "الحكومة في وضع ​إضراب​ ولا جلسة حتى الساعة، وكلّ الفرقاء يتحملون مسؤولية التعطيل ولا يجوز أن يدار البلد بالريموت كونترول".

***

ولكن على رغم النداءات، هل تمر مسألة قطع الحساب؟

هناك انقسام حول هذا الأمر، التيار الوطني الحرّ وحلفاؤه يتمسكون بضرورة أن لا تقتصر القطوعات على العام 2017، بل على الاعوام الممتدة من العام 2004، فيما أطراف آخرون يطالبون بمهلة تمتد حتى آخر السنة لأنجاز قطوعات الحسابات، مع علمهم ان هذا الامر غير قانوني وغير دستوري.

***

مواجهة أخرى سيشهدها مجلس النواب: ففي موازاة إلغاء ضريبة الـ 2% على الاستيراد. هناك فكرة مطروحة وهي رفع الرسوم إلى 3%، على أن تقتصر على سلع معينة، لكن خبراء اقتصاديين يعتبرون ان هذه الضريبة الجديدة لن يكون لها انعكاس إيجابي على ​الاقتصاد​ لأن السلع التي ستستهدفها سينخفض حجم مبيعها خصوصًا ان هذه النسبة هي رفعٌ مقنَّع للضريبة على ​القيمة المضافة​.

***

لكن التخبُّط ليس فقط في ​ساحة النجمة​، هناك واقع حقيقي تمت مقاربته في الإجتماع الذي عُقد في ​قصر بعبدا​ برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. الاستحقاق الاساس هو ما ورد في الموازنة عن شراء ​مصرف لبنان​ لسندات خزينة بقيمة 11 ألف مليار، وفائدة 1%، وهذا سيؤدي بحسب التوقعات إلى خفض كلفة ​الدين العام​ 1000 مليار ليرة. ولكن هذه الخطوة دونها عقبات وموانع، خصوصًا ان ​صندوق النقد الدولي​ يرفض هذا الإجراء ويعتبر انه يشكِّل نقصاً غير مجدٍ لاحتياط ​المصرف المركزي​ من العملات الصعبة.

***

كل ما سبق لا يؤشر سوى إلى التخبُّط، وعليه... حمى الله لبنان.