أثار قرار وزير العمل اللبناني ​كميل أبو سليمان​، الذي يفرض معاملة ​اللاجئين الفلسطينيين​ في لبنان معاملة مماثلة للعمالة الأجنبية، أثار ولا يزال ردود فعل سلبية واحتجاجات واسعة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والشتات، حتى أنه يمكن القول إنّ ردود الفعل، من حيث الاتساع والشمول، كانت غير مسبوقة، فلم نشهد مثيلاً لها في السابق لناحية قضايا تتعلق بالحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين في المخيمات وهي حقوق، بمعظمها، محرومين منها، وجرى إلغاء بعض ما كان محققاً منها… كما أنّ ردود الفعل اللبنانية المستنكرة لقرار وزير العمل كانت واسعة، وغير مسبوقة أيضاً…

والأسئلة التي تطرح في هذا السياق هي:

لماذا جرى إصدار قرار فرض إجراءات تضيّق وتقيّد حرية عمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في هذا التوقيت بالذات؟

وهل صحيح كما قال وزير العمل أنّ الاجراءات جاءت بمثابة تطبيق لقرار سابق، أم أنها مخالفة ومناقضة لقرارات صادرة عن الحكومة اللبنانية؟

ثم ما هو الهدف من السعي إلى فرض مثل هذه الإجراءات على العمالة الفلسطينية، هل له علاقة بمشروع التوطين والتهجير الذي تستهدفه صفقة القرن الهادفة إلى شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين؟

وأخيراً ما هو المطلوب في مواجهة مثل هذا القرار وغيره من القرارات المجحفة بحق الفلسطينيين والمسيئة إلى دور وموقع لبنان في مساندة ودعم صمود ونضال الشعب الفلسطيني؟

اولاً: من دون شك أنّ صدور مثل هذه الإجراءات جاء من حيث توقيته اللبناني مرتبطاً بشكل مباشر بوجود وزير للعمل ينتمي إلى حزب القوات اللبنانية المعروف بموقفه السياسي غير الداعم والمساند لحق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى الأرض والديار التي شرّد منها على أيدي العصابات الصهيونية سنة 1948 بدعم من الاستعمار الغربي في ذلك الوقت الذي مكّن الصهاينة من استعمار واستيطان الأرض الفلسطينية وإعلان دولة الكيان الصهيوني وتأمين الاعتراف بها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن.. بل إنّ حزب القوات يتبنّى المنظور الأميركي الرجعي العربي للصراع على قاعدة إما التوطين أو التهجير، ولأنّ موضوع التوطين مرفوض من قبل كلّ اللبنانيين، لأسباب مختلفة، منها ما هو مبدئي ينطلق من دعم حق العودة.. ومنها ما هو غير مبدئي مرتبط بما يسمّى الخوف والقلق من أن يؤدّي التوطين في لبنان إلى إحداث تغيير ديمقراطي، من هنا فإنّ حزب القوات يؤيد ضمناً تهجير الفلسطينيين من لبنان إلى دول أخرى في أوروبا أو غير أوروبا، وهو أمر يصبّ في خدمة مخطط إبعاد اللاجئين عن جوار فلسطين وتوطينهم في دول بعيدة عن وطنهم.. والإجراءات التي اتخذها الوزير أبو سليمان تقود إلى تحقيق هذا الهدف، عبر زيادة مصاعب الحياة أمام اللاجئين الفلسطينيين لدفعهم إلى الهجرة إلى دول العالم المختلفة سعياً للخروج من جحيم الحياة القاسية التي يعيشونها في ظلّ الظلم وحالة الاضطهاد والحرمان من أبسط حقوق الإنسان .

ثانياً: ليس صحيحاً انّ الإجراءات التي اتخذها وزير العمل هي تطبيق لقرار متخذ سابقاً، وهذا أكدته لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني التي شكلت بقرار من الحكومة اللبنانية للتنسيق بين الجانبين في ما خصّ وضع اللاجئين وحقوقهم السياسية والمدنية والاجتماعية، فقد أعلنت اللجنة أنّ «استراتيجية وزارة العمل بمكافحة العمالة الأجنبية غير النظامية، تغيب في إجراءاتها «الخصوصية التي يتمتع بها اللاجئون الفلسطينيون بموجب تعديل القانونين 128 و 129 اللذين اقرّهما المجلس النيابي في العام 2010 وتقوم الوزارة بشمولهم بوصفهم عمالاً أجانب متجاهلة ما نص عليه التعديلان من الحفاظ على خصوصية العامل الفلسطيني وعدم معاملته بالمثل»! من هنا فإنّ وزير العمل خالف بشكل واضح هذه التعديلات ولأنّ لديه موقفاً سياسياً مسبقاً، واضطر إلى إبداء الاستعداد لوضع المراسيم التطبيقية للتعديلين المذكورين نتيجة المعارضة والاحتجاجات الواسعة للقرار فلسطينياً ولبنانياً…

ثالثاً: لا شك أنّ إجراء وزير العمل لا يمكن فصله عما تسعى إليه الإدارة الأميركية من إلغاء لوكالة الأونروا، الشاهد على قضية اللاجئين وتقديم المساعدة الدولية لهم ريثما يعودوا إلى أرضهم وديارهم التي هجّروا منها سنة 1948، كما لا يمكن فصل الإجراء المذكور عن الجهود الحثيثة التي تبذلها واشنطن لفرض تمرير صفقة القرن التي تستهدف شطب حق العودة نهائياً وتوطين اللاجئين في دول الشتات.. ومعروف أنّ دولاً عربية تابعة للولايات المتحدة الأميركية تتولى عملية تسويق هذه الصفقة الخطيرة، كما من المعروف انّ حزب القوات تربطه بهذه الدول وبالولايات المتحدة علاقات تقوم أيضاً على التبعية في تنفيذ سياساتها…

رابعاً: إنّ قضية العرب الفلسطينيين اللاجئين وحقهم في العودة إلى الأرض والديار إنما تشكل جوهر قضية فلسطين التي تشكل القضية المركزية في الصراع العربي الصهيوني، وبالتالي فإنّ الواجب الوطني والقومي والإنساني والقيمي يستدعي من المسؤولين اللبنانيين الوقوف إلى جانب الأشقاء والأخوة الفلسطينيين في محنتهم ومعاناتهم الناتجة عن احتلال وطنهم، بتوفير الحدّ الأدنى من العيش الكريم وتأمين الحقوق المدنية والإنسانية اللائقة لهم، لتمكينهم من مواصلة الصمود والتصدي ومقاومة المخططات الأميركية والصهيونية الهادفة إلى تصفية قضيتنا العربية المركزية، قضية فلسطين، لمصلحة المشروع الصهيوني الغاصب للأرض والحقوق، وبالتالي إحباط مشاريع التهجير والتوطين، التي تطلّ برأسها، هذه الأيام، من خلال مؤامرة صفقة القرن القاضية بشطب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي مقدّمها حق اللاجئين بالعودة إلى الأرض والديار، التي طردتهم منها العصابات الصهيونية سنة 1948.. لهذا فإنّ المطلوب إعادة نظر جذرية في طريقة مقاربة الدولة اللبنانية لقضية اللاجئين من الاخوة والأشقاء الفلسطينيين وذلك من خلال وضع سياسة تقوم على إقرار الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية لهم، وإلغاء جميع القرارات والقوانين غير الإنسانية المجحفة بحقهم وتتعارض مع موقف لبنان الداعم لقضية فلسطين والمساند لحق الشعب الفلسطيني في مقاومته لاستعادة حقوقه المغتصبة، والرافض لمخططات التوطين على قاعدة دعم حق العودة إلى الأرض والديار في فلسطين المحتلة التي كانت وستبقى قضيتنا المركزية في الصراع العربي الصهيوني حتى تحريرها من رجس الصهاينة الغاصبين، ذلك انّ العلاقة بين لبنان والأشقاء الفلسطينيين يجب ان تنطلق من قيم الكفاح والنضال المشرك ضدّ العدو الصهيوني، الذي احتلّ أرض فلسطين بدعم من الاستعمار الغربي، وشرّد أهلنا منها إلى الدول العربية ومنها لبنان، كما أنه لا يزال يحتلّ أجزاء من الأرض اللبنانية، بعد أن تمكنت المقاومة الوطنية والإسلامية الباسلة من دحر وإجبار جيش الاحتلال على الرحيل عن القسم الأكبر من الجنوب والبقاع الغربي عام 2000…