في وقتٍ كان فيه الصراخ السياسي والوزاري والنيابي يعلو في بيروت، كانت واشنطن تضج بحدثٍ ​لبنان​ي - أميركي، فقد انطلق من السفارة اللبنانية في العاصمة الأميركية "تجمّع الصداقة الأميركية - اللبنانية في الكونغرس" بحضور وزير الخارجية اللبناني ​جبران باسيل​ الذي يزور العاصمة الاميركية بدعوة من وزير الخارجية ​مايك بومبيو​ لحضور ​مؤتمر​ عن حوار الأديان.

التجمع بات يتألف من 20 عضواً في الكونغرس ويتشارك برئاسته النائبان دارين لحود وتشارلي كريست.

إنها الديبلوماسية الفاعلة التي يقودها وزير الخارجية جبران باسيل والذي نجح في نقلها من ديبلوماسية ردة الفعل إلى ديبلوماسية الفعل والمبادرة.

ولكن بمقدار ما يفرح اللبناني بما يعرفه ويشاهده عن لبنان في الخارج، بالمقدار ذاته يحزن لِما يرى ما يحصل في الداخل من إشتباكات متفرقة على محاور سياسية متفرقة تقود في معظمها إلى أوضاع غير مريحة.

***

من هذه المحاور:

بعدما سقط إقتراحُ اكتتاب ​مصرف لبنان​ بسندات خزينة بقيمة 11 الف مليار ليرة بفائدة 1%، أصبح فرض رسم 3% على بعض السلع المستوردة نجم مشروع الموازنة بعدما كان الرسم المقترح 2%. الاقتراحُ مرفوض من التجار ومن المستهلكين على السواء ومن بعض النواب إلّا أنه وعلى ما يبدو لا بدّ للمستهلك أن يتجرع هذه الكأس التي ستصل اليه بزيادة على غالبية أسعار السلع بنسبة 5%، علماً أنّ هذا الرسم سيشمل أسعار البنزين أيضًا.

***

ومن المحاور ايضًا، الخشية من أن تكون الموازنة مثل ​البيان الوزاري​، أي ان تكون حبراً على ورق، وأن ما يقوم به بعض النواب في مجلس النواب هو عبارة عن "مسرح سياسي" والمشاهدون عبر الشاشات في بيوتهم.

***

لكن ليس كل شيء فولكلوراً، فالأعين على لبنان، وبنظرات ثاقبة وموجعة، ومن طلائعها ان سفراء دول "المجموعة الدولية لدعم لبنان" حذروا من الشلل الحكومي وعدم تجاوب الافرقاء اللبنانيين مع اقتراحات إنهاء الأزمة التي نشأت نتيجة حادثة قبرشمون في الثلاثين من حزيران الماضي.

وما يوجِع على المستوى السياسي اللبناني، ان السفراء يُبدون استغرابهم لاستمرار هذا الوضع الذي أدى إلى تعطيل ثلاث جلسات ل​مجلس الوزراء​ والرابعة على الطريق، وهو ما يفقد الثقة العربية والدولية، بحسب السفراء، بالسلطة التنفيذية وينعكس على الاستثمارات، كما يؤخر تنفيذ قرارات "سيدر" ويزيد في تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية.

***

هل تريدون محاور محبِطة أكثر؟

هناك كلام لتمديد المهلة للحكومة ستة أشهر إضافية لأنجاز قطع الحساب، هذا الكلام لم يبلغ خواتيمه بعد، وهو لا يزال محل بحث ونقاش ولم يحظ بموافقة نهائية من رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ الذي يشكك بدستوريته.

***

المحور الرابع الأكثر إيلامًا، هو أن الإيرادات لتمويل الخزينة ليست من النوع المؤكد، ما يضاعف من نسبة ​العجز​، وما يزيد من نسبة الإنكماش في البلد، ومَن لا يصدِّق فما عليه سوى القيام بجولة في الأسواق والمولات ليعرف حجم الإقفال في المحلات والمتاجر في تلك المجمعات، وبدلًا من تعليق يافطات العروضات على الواجهات، تتزايد يافطات:

للإيجار، للبيع، مقفل بسبب التصليحات.

وكل هذه اليافطات من علامات الإنكماش.