ينتاب المتابعين الخبراء للوضع اللبناني انطباعان:

الأول: هل سلكت الأمور طريقها نحو الإيجابية بعد إقرار ​الموازنة​؟

والثاني: هل ما زالت الأمور على حالها، حتى بعد إقرار الموازنة؟

***

الإنطباعان متساويان:

ففي مسار ان الأمور تميل إلى الإيجابية، هناك دفعٌ من رئيس ​مجلس النواب​ اعتبر فيه ان البلد "أقلع من جديد"، ويعتمد المتفائلون في هذا المجال على ان سبب هذا الإنطباع يعود إلى ان الموازنة قد وُضِعَت، وانتقل الجهد إلى موازنة العام 2020.

***

السبب الثاني للتفاؤل أن الجميع يعتبرون ان المصادقة على الميزانية ستفتح الطريق إلى بدء "تسييل" مليارات ​مؤتمر سيدر​، وفي هذا المجال بدأ الجميع يرصدون ردات فعل المعنيين بمؤتمر سيدر، وقد جاءت ردة الفعل الأولى من المدير الإقليمي للبنك الدولي الذي اعتبر ان المصادقة على الموازنة تحظى بترحيب من ​البنك الدولي​ وأن الموازنة هي "خطوة أولى جيدة".

لكن في المقابل، فإن هناك معطيات تؤشر إلى أن "تسييل" مقررات سيدر ليست "شربة ماء"، فماذا في المعطيات ؟

"سيدر" ليس "كبسة زر" فهناك آلية، والف باء الآلية يقوم على ترقُّب اجتماع ما يُسمَّى "لجنة الدول الراعية لـ"سيدر". وهذه اللجنة مؤلفة من الدول البارزة والهيئات البارزة التي شاركت في "سيدر".

أما عن الموجِبات اللبنانية فمن ابرزها:

تعيين أمين عام للمجلس الأعلى للخصخصة بدلا من الأمين العام الذي قدَّم استقالته. وأهمية هذا المنصب ان الذي سيتسلمه سيكون عضوًا اساسيًا في لجنة "سيدر"، تعيينات الرئيس والاعضاء الجدد ل​مجلس الإنماء والإعمار​ باعتبار ان ممثلي هذا المجلس سيكونون ضمن اللجنة ايضًا، ​ممثلين​ عن ​الحكومة اللبنانية​ للموافقة على أي تمويل، لجهة تحضير دفاتر شروط المناقصات واستطرادا للموافقة عليها، ومن هنا يُفهَم "الإستقتال" على تعيينات هذا المجلس، وكيف ان المنافسة شرسة جدًا بين طروحات رئيس الحكومة وطروحات رئيس ​التيار الوطني الحر​ حول تعيينات هذا المجلس.

ومن الأمور التي تعرقل مسار "سيدر" ايضًا، مسألة عدم تعيين الهيئات الناظمة ولا سيما في مؤسسة بارزة ك​مؤسسة كهرباء لبنان​. والسؤال هنا: لماذا تُترَك هذه الأمور من دون ضوابط؟ لماذا تٌستبعد الهيئات الناظمة والمجلس الاعلى للخصخصة وتوضَع الشروط على تعيينات مجلس الانماء والإعمار؟ هل السبب، كما قيل، يعود إلى ان البعض يريد ان يحافظ على "محمياته" التي لم تعد خافية على أحد؟

عندما يعرف الرأي العام آلية عمل "سيدر" يفهم سبب توتر البعض، لأن تنفيعات وسمسرات المرحلة الماضية لم تعد موجودة، فوفق آلية "سيدر" فإن الموافقة على أي مشروع يجب ان تمر بالمندرجات التالية:

أي مشروع يتم اختياره يجب أن يكون له دفتر شروط يوضع في مجلس الإنماء والإعمار ثم يرفع إلى لجنة التوجيه، بعد ذلك يتم ارساله إلى ​مجلس الوزراء​ للموافقة عليه وبعد ذلك يوضع دفتر شروط لطرحه على المناقصات، في هذه الإثناء يتم اصدار لائحة الشركات التي تأهلت وتوافق عليها لجنة التوجيه، ثم تحال إلى مجلس الوزراء من جديد لاعتماد المناقصة، فتتم احالته إلى دائرة المناقصات ويتم اختيار الشركة التي يفترض أن تكون شركة أو مؤسسة أو تجمعًا بين شركة ومصرف لترعى التنفيذ.

***

هذه الآلية المعقدة هي التي سببت الصداع للبعض لأنهم لن يجدوا فيها "المنافع والإفادات" التي كانوا يحصلون عليها في السابق:

إن زمن المنافع والسمسرات ولَّى، وعلى المعنيين ان يفهموا ذلك، ولكن حبذا لو فهموا ذلك قبل ان يصل البلد إلى شفير الإفلاس، وقبل ان يساهموا في التسبب في إيصال البلد إلى شفير الإفلاس.