الحريري مستاء.. واللواء إبراهيم يواجه عُقد التصلُّب في المواقف التي تمنع عليه الخروج من المربّع الأول

من المعيب ان تبقى ​الحكومة​ أسيرة الخلافات السياسية، في الوقت الذي أحوج ما يكون فيه ​لبنان​ لانعقاد جلسات مكثفة ل​مجلس الوزراء​ لمواكبة الأوضاع الداخلية لا سيما منها الاقتصادية والمعيشية بعد ان شقت ​الموازنة​ العامة طريقها إلى التنفيذ، وكذلك للاستعداد لمواجهة ما ينتظر لبنان من تحديات واستحقاقات ناجمة عن أوضاع المنطقة التي تعج بالملفات الملتهبة والتي تبعث على الخوف من إمكانية ان تطال شرارتها لبنان المعروف عنه بالتماهي مع أي تطوّر إقليمي سلبياً كان هذا التطور أم ايجابياً.

بغض النظر عن أحقية مطلب هذا الفريق أو ذاك في ما خص حادثة ​قبرشمون​ في ما خص الجهة الصالحة للتحقيق في هذا الموضوع، فإنه من المستهجن ربط انعقاد مجلس الوزراء بهذا النزاع الذي يجب ان يعود أمر بته إلى ​القضاء​ بمعزل عن الآراء المختلفة حول استقلاليته، فالبلد يقف على كف عفريت، والمنطقة تتقلّب على صفيح ساخن وطبول الحرب تقرع في أكثر من مكان، وعليه يجب على المسؤولين الكف عن ​سياسة​ النكد والكيدية والاختلاف حول جنس الملائكة والذهاب باتجاه ترتيب البيت الداخلي واقفال كل المنافذ التي من الممكن ان تتسلل منها الرياح العاتية التي تهب في المنطقة وتطيح بكل الإنجازات التي تحققت إلى الآن، وتعيد البلد إلى أتون الصراعات والانكماش الاقتصادي والتدهور في ​القطاع المالي​ الذي هو في الأساس يقف على عتبة الانزلاق باتجاه المجهول.

على الرغم من دراية الجميع بمخاطر الأوضاع فإن كل المساعي التي جرت في أعقاب الأزمة التي اندلعت منذ ثلاثة أسابيع على حادثة الجبل ما تزال في قبضة المراوحة، ولم ترصد المعطيات المتوافرة حتى مساء أمس أي تقدّم جوهري يؤدي إلى إعادة انتظام عمل الحكومة، بل على العكس فإن ما جرى من مداولات لا يوحي بأن معالجة هذه الأزمة بات سهلاً، بالرغم من الإصرار الذي ابداه رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء في أقرب وقت.

وتؤكد مصادر سياسية عليمة ان كل الأطراف المعنية ما تزال تتصلب في مواقفها، وهو ما يجعل مهمة «الاطفائي» المدير العام للأمن العام ​اللواء عباس ابراهيم​ صعبة ومعقدة وتتطلب منه بذل جهود فوق العادة أقله لإبقاء الأمور تحت السيطرة وعدم الانتقال إلى مراحل تزيد «الطين بلة».

وفي رأي المصادر ان بحر هذا الأسبوع سيكون حاسماً لجهة معرفة الاتجاه الذي ستذهب فيه الأمور خصوصاً لجهة معرفة مصير انعقاد مجلس الوزراء الذي ينتظره جبلاً عالياً من الملفات التي عليه مقاربتها في وقت قريب.

وترى المصادر ضرورة الإسراع إلى لملمة مشاكلنا الداخلية لأن ما يجري في المحيط و​العالم​ مخيف جداً وخطير للغاية، وان استمرار الوضع في لبنان على ما هو عليه كمنزل مخلوع الأبواب والنوافذ سيجعله يدفع اثمان المتغيّرات التي تنتظر المنطقة وهو ما لا قدرة عليه على الإطلاق، معتبرة ان الخروج بأقل الخسائر الممكنة من هذه «المعمعة» التي تضرب المنطقة طولاً وعرضاً يكمن في الاحتكام إلى المؤسسات في معالجة الملفات الخلافية والإقلاع عن أسلوب النكد السياسي والاتجاه نحو الحوار.

وتجزم المصادر انه في ظل السقوف العالية للمواقف، من حادثة قبرشمون، وفي ظل انسداد الأفق في وجه سعاة الخير، لم يعد من مفر من تقديم تنازلات متبادلة من الأفرقاء المعنيين، لأن في سلوك طريق المواقف الحادة سيزيد الأمور تعقيداً ولن يوصل الى نتيجة، متسائلة ما الضرر في الركون إلى مجلس الوزراء في وضع حدّ لما يجري وقبول الأطراف المتنازعة بما يصدر عنه من قرارات؟

وعندما تسأل المصادر ما إذا كانت تتوقع حلاً قريباً لهذه الأزمة تسارع إلى التأكيد بأنه في نهاية المطاف ستتم المعالجة إنما على أي أساس فإن الأجواء ما تزال غير واضحة، لكن ما بات معروفاً بأن هذه الأزمة غير محصورة بحادثة قبرشمون وانها لم تنشأ عنها حصراً، بل تأتي في سياق معركة سياسية حامية الوطيس بين النائب ​وليد جنبلاط​ وما يمثل وخصومه وما يمثلون، وأن هذا الكباش له امتداداته الداخلية والخارجية وأن حياكة أي حل للأزمة يتطلب عناية فائقة في ظل التداخل الحاصل في الملفات والاستحقاقات داخلياً واقليمياً، وهو لن ينتهي باجتماع من هنا ومسعى من هناك، وأن من ينظر إلى وجه الرئيس الحريري الذي بدا بشكل واضح الوجوم على وجهه لدى استقباله الوزير ​صالح الغريب​ في «بيت الوسط» أمس الأوّل وما صرّح به الأخير لحظة خروجه يعرف تماماً بأن أبواب الحل لم تفتح بعد، وأن التسوية ما تزال تحتاج إلى وقت لكي تنضج.