لم تتعدّ التصرفات العسكرية في الإقليم حتى الآن سقف المشاغبات، من خلال ضربات اسرائيليّة تستهدف قادة في محور المقاومة أو معسكرات من جهة، وتنفيذ ال​إيران​يين خطوات سحب السفن في ​مضيق هرمز​ وإثبات القدرات في الخليج من جهة ثانية. فالجمهورية الاسلامية أعلنت أنها تراقب كل السفن الأميركيّة في منطقة الخليج ولديها أرشيف صور لتحرّكاتها اليومية. مما يعني أنّ طهران تمهّد للحركشة في السفن الأميركيّة وتكرار ما فعلته إزاء السفينة البريطانيّة.

لكن واشنطن لا تزال تهرب من المشاغبة الإيرانيّة التي تهدف لجرّ الأميركيين الى حرب أو تسوية. تعرف طهران أن الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ لا يريد إشعال حرب عسكرية غير مضمونة النتائج، وهو الذي يستخدم أهم سلاح فعّال ضد إيران، أي العقوبات المالية–الإقتصادية، التي تخنق الإيرانيين من دون ضربة كفّ، ولا دفع تكاليف ماليّة. كما تعرف جيّداً أن ترامب ينفّذ أجندته السياسية الخاصة، وهو ليس مستعداً لأن يكون موظّفاً لا عند ال​إسرائيل​يين ولا الخليجيين، لا بل يضع بلاده خلف الذين يراهنون عليها في الحرب، كما أكّدت تغريدته أنه "من غير المنصف أن تقوم ​أميركا​ بدور الشرطي بمضيق هرمز لحماية سفن دول غنيّة كالصين واليابان والسعوديّة". لكن ماذا لو كرّرت إيران مع سفن أميركيّة ما فعلته مع البريطانيين؟ لن يستطيع ترامب الوقوف متفرّجاً بالطبع، بل تكون طهران قد جرّته الى حرب أو تفاوض وفق شروطها. الخياران قائمان وهما مطلب إيراني لكسر معادلة اللاحرب واللاسلم. مما يعني أن مضيق هرمز في دائرة الإهتمام، لا بل أن كلّ مياه الخليج ستكون موضع مراقبة عالميّة، بعد تصريحات الإيرانيين عن أن طهران تراقب كل السفن الأميركيّة في مياه الخليج.

هناك سيناريو آخر على الجبهة الإسرائيليّة. تل أبيب تنفّذ خطوات مشاغبة من خلال ضربات عسكريّة على الأراضي السوريّة كان آخرها إستهداف قيادي في "​حزب الله​"، أو ما حصل في العراق بضرب معسكر لمحور المقاومة. فالإسرائيليون يتحركّون على ذات القاعدة بهدف ضرب معادلة "لا حرب لا سلم" لتحقيق تسويات دولية لصالحهم تفرض ما عجزت عنه الحرب على ​سوريا​، يخشون من إستخدام طهران للورقة الفلسطينية ضدهم، لأنّهم يعتبرون أنّ القدرات الايرانيّة عبر قطاع غزّة أكثر فعاليّة في زمن سياسي إسرائيلي صعب.

لذلك، تدرجت المواقف الاسرائيليّة بعد زيارة وفد "حماس" الى الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية وسط معلومات عن مصالحة تمّت بين قياديين سوريين ووفد "حماس" برعاية القيادة الإيرانية التي تعمد الى لم شمل المحور المقاوم لإسرائيل.

جاءت المواقف الاسرائيليّة من قبل رئيس الوزراء ​بنيامين نتانياهو​ بقوله: نحن نعمل على تحقيق الهدوء، لكننا نستعد للذهاب الى معركة وهي عمليّة عسكريّة غير مسبوقة لحماس والجهاد. ثم جاء تلميح المتحدث بإسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي بنشره خريطة أبرز فيها إيران والعراق وسوريا ولبنان، واظهر مطاري بيروت ودمشق ومعابر لبنانيّة وسوريّة تحت مسمّى الهدف. مما يعزّز التأكيد أنّ تل أبيب تريد أولاً مواكبة الشحن الإقليمي، وثانياً الإيحاء بإستعدادها للحرب في حال حرّك الإيرانيون حلفاءهم في أكثر من جبهة.

كل ذلك، لا يلغي الحدث عن رفع الخطابات والمشاغبات الى حدّها الأعلى من دون الولوج في حرب مفتوحة واسعة. لكن كل ما هو مؤكد ان المنطقة لن تصمد طويلاً في معادلة لا حرب ولا سلم. سيكون هناك مخرج إما عبر الحرب وصولاً الى التسوية، وإما عبر الصفقات وصولاً الى ذات الهدف.