تتسابق الاتصالات واللقاءات بين الوصول إلى مُعالجة هادئة ومثمرة لقضية العمّال ​اللاجئين الفلسطينيين​ في لبنان، وبين مَنْ يسعى إلى الاستغلال توتيراً، سواء بالتحريض لإخراج الحراك عن مساره السلمي، أو "تسييس" عناوين وشعارات التحرّك، وتحويلها عن المطالب المُحقة، بما في ذلك توظيفها ضمن "بازار" التجاذبات السياسية الداخلية اللبنانية.

وتشخص الأنظار إلى تحديد رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ موعداً لجلسة مجلس الوزراء، والذي يتوقف تحديده على نجاح الجهود التي يقودها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لمعالجة حادثة الجبل، لأنّ الوعود التي قُطِعَتْ للقوى الفلسطينية تمحورت حول أنْ يتم بحث قضية العمل للفلسطينيين بعد إحالتها إلى مجلس الوزراء.

حمادة

وفي موقف استحوذ على الاهتمام، كشف وزير العمل اللبناني الأسبق الدكتور طراد حمادة عن صيغة الحل التي اعتمدها خلال توليه حقيبة وزارة العمل في حزيران/يونيو 2005، بإصداره قراراً ينظّم عمل الأجانب، واستثناء اللاجئين الفلسطينيين من أحكامه، بما أتاح لهم العمل - دون الحاجة إلى إجازة عمل - في أكثر من 40 مهنة كانوا محرومين من العمل بها منذ عقود عدة، وأبقى على العمل في المهن الحرة التي تحتاج إلى موافقات من النقابات المعنية.

ودعا الوزير حمادة خلال حديثه في برنامج "من بيروت" على شاشة تلفزيون فلسطين من إعداد وتقديم الزميل هيثم زعيتر، زميله وزير العمل الدكتور كميل أبو سليمان، إلى "إصدار قرار يُنظّم عمل الأجانب، مع إضافة أربع كلمات فقط، تنص على أنّه "يُستثنى اللاجئون الفلسطينيون من أحكام هذا القرار"، وهي الصيغة التي اعتمدتها خلال تولي وزارة الداخلي - وفقاً للقانون اللبناني، عندها تتم مُعاملة الفلسطيني كما اللبناني، لأنّه ليست له علاقة بكل ما يعتبر العامل الفلسطيني أجنبياً، لأنّه لاجئ مُسجّل في سجلات وزارة الداخلية والبلديات دائرة الشؤون السياسية".

وما فعله الوزير حمادة، قام به الوزير بطرس حرب، وكذلك الوزير محمد كبارة عندما تسلّما حقيبة وزارة العمل.

ويُعتبر هذا الاقتراح مدخلاً للحل لمُعالجة قضيّة عمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

وأوضح الوزير حمادة دوافع منحه الفلسطينيين حق العمل عندما تسلّم الوزارة في العام 2005، بأنّ ذلك يعود إلى أنّ "الجوّر الذي لحق بالعمّال الفلسطينيين كان مضرب مثل في العالم، وفي كل المُؤتمرات كُنّا نُوَاجَه به، واتخذتُ قراري من مُنطلقات مُتعدّدة، الحس الوطني، وحاجة السوق إلى اليد العاملة الفلسطينية، التي هي ثابتة إلى حين عودة العامل الفلسطيني إلى بلاده، وانطلاقاً من أنّه لا ينطبق على العامل الفلسطيني مبدأ العمالة الأجنبية لوجوده القسري في لبنان بفعل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وهو مُسجّل في وزارة الداخلية اللبنانية، وهذا التسجيل هو شهادة على حقّهم بالعودة إلى بلادهم، وعندما يُمنَع العامل الأجنبي من العمل يعود إلى وطنه، لكن العامل الفلسطيني لا يعود إلى فلسطين بحكم الاحتلال الإسرائيلي، وهم يناضلون من أجل هذه العودة".

واعتبر الوزير حمادة أنّ "قرار وزير العمل الحالي لا يمت إلى العقلانية بصلة، لأنّه يجب مُعاملة اللاجئ الفلسطيني بطريقة مُختلفة عن اليد العاملة الأجنبية، والقوانين السارية على الأجانب يجب ألا تعتبر الفلسطيني عاملاً أجنبياً، الذي تحتكم بحاجة السوق المحلية إليه، أما الفلسطينيون فليسوا يداً عاملة وافدة، وفقاً لحاجة السوق المتحرّكة".

واستطرد: "عندما يقرّرون منح الفلسطيني إجازة عمل - حتى لو كانت دون استيفاء رسوم - فإنّهم لا يعطونها له، وعندها لا يُمكنه العمل، لأنّ سياسة الإدارة من الداخل تتحكّم بحق الفلسطيني بالعمل".

ودعا القوى السياسية للذهاب إلى "مجلس النوّاب لإصدار قوانين تراعي باقي الأعمال التي ممنوع على الفلسطيني مُزاولتها في المهن الحرّة، مثل: الطب، الهندسة والمحاماة، وغيرها التي لها نقابات"، مُلمحاً إلى أنّ "الحكومة يمكنها إصدار مراسيم تطبيقية تتعلّق بالعديد من مناحي الحياة".

ونوّه الوزير حمادة بـ"دور رأس المال الفلسطيني بعد نكبة العام 1948، حيث كان له دور بارز في إعمار مُؤسّسات كبرى في لبنان، وكذلك كان لليد العاملة الماهرة دور كبير في ذلك، واللاجئون الفلسطينيون جزء أساسي من السوق اللبنانية، ويدعمون اقتصادها، سواء من إنتاجهم الداخلي أو من تحويلات أبنائهم في الخارج".

"لجنة المتابعة"

وفي إطار المعالجة، عقدت لجنة المتابعة المنبثقة عن "اللقاء السياسي الشعبي اللبناني - الفلسطيني" في صيدا اجتماعها الأوّل في مقر "التنظيم الشعبي الناصري" في صيدا، بحضور أمين عام التنظيم النائب الدكتور أسامة سعد، وممثّلين عن الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية، اللجان الشعبية، الهيئات

النقابية والاجتماعية والنسائية والشبابية، منظّمات المجتمع المدني، الفاعليات الاقتصادية، وعدد من الشخصيات اللبنانية والفلسطينية من مدينة صيدا ومخيّم عين الحلوة.

وأعادت لجنة المتابعة التأكيد على "مُطالبة الحكومة بوقف الإجراءات التضييقيّة التي اتخذها وزير العمل بحق العمّال الفلسطينيين والمؤسّسات الاقتصادية الفلسطينية بأسرع وقت. وذلك نظراً إلى الظلم الذي لحق بالإخوة الفلسطينيين بسببها، ولما نتج عنها من توتّرات وردود فعل واحتجاجات مُحقّة، فضلاً عن آثارها شديدة السلبية على سير الحياة اليومية، وعلى الأوضاع المعيشية والاقتصادية في مناطق عدّة".

كما أقرّت لجنة المتابعة الصيغة النهائية لـ"الوثيقة الشعبية لحقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان"، بعد إدخال التعديلات التي قدّمها اللقاء المُوسّع، الذي عُقِدَ مساء الإثنين الماضي، في مركز معروف سعد الثقافي.

كذلك قرّرت اللجنة "تنظيم تظاهرة جماهيرية في صيدا، يوم الثلاثاء في 30 الجاري، لمُطالبة الحكومة برفع الظلم والتضييق عن الإخوة الفلسطينيين، وبإعطائهم الحقوق الإنسانية والاجتماعية والمدنية المشروعة. وهي الحقوق التي تفرضها إلتزامات لبنان تجاه القضية الفلسطينية، كما يفرضها

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فضلاً عن الإجماع اللبناني والفلسطيني على التمسُّك بحق العودة، وعلى رفض "صفقة القرن" ومُؤامرة التوطين التي تحملها هذه الصفقة".

وجرى التأكيد على "التعاون والتنسيق بين لجنة المتابعة وسائر اللجان والهيئات المُهتمة بقضية حقوق اللاجئين على مُختلف الصعد وفي كل المناطق، وأهمية تضافر الجهود والطاقات من أجل الوصول إلى مُعالجة المشكلات التي يُعاني منها اللاجئون، وإلى حصولهم على كامل حقوقهم".

"اتحاد نقابات عمال فلسطين"

إلى ذلك، صدر عن "اتحاد نقابات عمّال فلسطين" في لبنان، بيان حول اللقاء مع الوزير أبو لسيمان، أعلن عن أنّ اللقاء "لم يحقّق طموحات أبناء شعبنا، ولن نخذل شعبنا وعماله".

وقال الاتحاد في بيانه: "يهم "اتحاد نقابات عمال فلسطين" في لبنان أنْ يُؤكد أنّ اللقاء مع وزير العمل اللبناني لم يخرج بأي نتائج إيجابية على صعيد المطالب التي حملها الاتحاد إلى الوزير العمل، حيث أصرَّ وفد الاتحاد على مطالب الشعب الفلسطيني وعمّاله والمُتمثّلة بضرورة وقف جميع الإجراءات التي اتخذتها وزارة العمل، وإلغاء إجازة العمل، وتعديل قانون الضمان الاجتماعي كي يستفيد العامل من جميع تقديمات الصندوق. وهذا ما يفتح الباب أمام حوار فلسطيني - لبناني جاد من أجل اقرار جميع الحقوق الانسانية".

وأكد الاتحاد أنّه "سيبقى المدافع الأمين والصلب عن حقوق العمّال كما كان دوماً، هؤلاء العمّال المُتواجدين اليوم في جميع التحرّكات الشعبية، ولن يخذل شعبنا وعمّاله، بل سيبقى المعبّر الفعلي عن همومهم وتطلّعاتهم، ولن يألوَ جهداً من أجل انتزاع مطالبهم بتشريع حقهم بالعمل بحرية بعيداً عن القوانين اللبنانية المجحفة".

وتوجّه الاتحاد بتحية فخر واعتزاز إلى "كافة أبناء شعبنا الذين خرجوا للتعبير عن رفضهم لهذه الإجراءات المرفوضة من وزارة العمل، والتي أتت في ظل ظروف التسويق لـ"صفقة القرن" التي تستهدف حق العودة ، فأظهروا قدر عالياً من الحس بالمسؤولية بصورة راقية مُشرّفة تنحني لها الهامات، كما يحيي الأشقاء اللبنانيين الذين تضامنوا مع شعبنا ومع حقوقه الانسانية المشروعة".

وأكد الاتحاد دعمه "لاستمرار التحرّكات الشعبية السلمية الحضارية"، ودعا "الرؤساء الثلاثة إلى الإسراع في معالجة الأزمة التي نشبت بفعل قرارات وزارة العمل اللبنانية، وتنظيم العلاقات اللبنانية - الفلسيطينية على أُسُس تضمن مصلحة الشعبين الشقيقين".

مسيرتان

هذا، وانطلقت في مخيّم عين الحلوة مسيرة جماهيرية رفضاً لقرار وزارة العمل، مع استمرار الإقفال التام لليوم التايع على التوالي، لكافة المداخل الرئيسية في المخيّم بالإطارات المطاطية المُشتعلة والعوائق الحديدية، أمام السيارات، ولكن مع استثناء المُشاة.

انطلقت المسيرة من المدخل الغربي للمخيّم لجهة حسبة صيدا، بمشاركة كبار السن من الرجال والنساء، وأيضاً الأطفال، وكانت لافتة مشاركة الحاجة خيرية سعيد يونس، من بلدة لوبيا في قضاء طبريا، متطية الخيل وهي تهتف: "سنبقى صامدون هنا حتى العودة إلى فلسطين".

كذلك، انطلقت مسيرة سيّارة من "حي دلاعة" في مدينة صيدا، وسط إجراءات أمنية مكثّفة اتخذتها وحدات الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.

وجابت المسيرة شوارع المدينة، وهي ترفع الأعلام اللبنانية والفلسطينية، مطالبة بالتراجع عن إجراءات وزارة العمل بفرض إجازة العمل.

تفتيش في "مطعم المستشار"

إلى ذلك، دخل فريق من وزارة العمل، بمؤازرة أمنية إلى "مطعم المستشار" الواقع على الكورنيش البحري لمدينة صيدا، من أجل التفتيش عن العمّال الأجانب من التابعية السورية.

وأكد صاحب المطعم المستشار سامي البقاعي أنّ "مهمّة مفتّشي وزارة العمل كانت محصورة

بالسؤال عن وجود موظّفين سوريين، حيث تبيّن أنّه لا يوجد أي عامل سوري في المطعم، وجميع الموظّفين من الجنسيتين اللبنانية والفلسطينية".