هدْمُ حي وادي الحمص في ​القدس​ المحتلة وتشريد مئات العائلات الفلسطينية التي كانت تسكن في الحيّ دليل جديد قديم على الطبيعة الوحشية المعادية للإنسانية لكيان العدو الصهيوني الذي قام على اغتصاب الأرض في فلسطين وتهجير أبنائها من مدنهم وقراهم ومنازلهم سنة 1948، ويستمرّ في سياسة الاغتصاب والتهجير، وانْ كان يقوم بذلك الان داخل ​فلسطين المحتلة​… على أنّ الذريعة التي ساقها المحتلّ لتبرير جريمته هي انّ منازل حي وادي حمص مشرفة على جدار الفصل العنصري الذي شيّده في قلب ​الضفة الغربية​ للفصل بين مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية والمستوطنات الصهيونية في القدس والضفة المحتلتين.. واللافت أنّ الحي يصنّف في مناطق «أ» الخاضعة بموجب اتفاق ​أوسلو​ المشؤوم للسلطة الفلسطينية… على انّ العدوان الصهيوني الجديد على أهلنا في القدس المحتلة يعكس جملة من الحقائق التي يجب لفت النظر اليها وأخذها بالحسبان والعمل بمقتضاها فلسطينياً وعربياً:

الحقيقة الأولى: انّ العدو الصهيوني يثبت كلّ يوم أنه مستمرّ في سياسة اقتلاع الفلسطينيين من ديارهم وهدمها لمنعهم من العودة إليها في سياق مخطط تهويد كامل القدس والأحياء المحيطة بها باعتبارها هدفاً أساسياً يحتلّ الأولوية في سياق هذا المخطط الصهيوني.. الذي يعتبر القدس الكبرى بكلّ ما فيها من مقدسات إسلامية ومسيحية هي ملك للصهاينة يجب الاستيلاء عليها وتهويدها إما عبر استخدام القوة، كما حصل في وادي الحمص، أو عبر شراء الأراضي والمنازل والأملاك الكنسية بوساطة تجار ومتعاملين مع الاحتلال، او عبر تهويد المسجد الأقصى…

الحقيقة الثانية: ما حصل يؤكد من جديد، لمن لا زال لديه وهم بإمكانية إقامة تسوية مع العدو، بأنّ الصراع مع الكيان الصهيوني إنما هو صراع وجود على الأرض وهويتها، فالعدو لا يقبل حتى اقتسام الأرض مع أهلها الأصليين، كما نص اتفاق أوسلو الذي قدّم تنازلاً كبيراً للاحتلال بالتخلي عن أرض فلسطين التي احتلت سنة 48، وها هو العدو يستولي كلّ يوم على أراض جديدة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين اللتين يفترض بموجب الاتفاق المذكور ان تقام عليهما، مع قطاع غزة، الدولة الفلسطينية الموعودة.. وهو ما انقلب عليه العدو الصهيوني.. ويعمل اليوم على محاولة فرض أمر واقع جديد في سياق عملية قضم تدريجي للأرض وتهويدها..

الحقيقة الثالثة: تزامن هدم حي وادي الحمص مع الترويج الى صفقة القرن، بديلاً من أوسلو، من قبل الحكومات العربية الرجعية بضغط أميركي بهدف تصفية قضية فلسطين لمصلحة تكريس كيان العدو وتطويب أرض فلسطين للصهاينة.. كما انّ الجريمة تمّت في لحظة جرى فيها المزيد من اللقاءات العلنية بين بعض العرب وقادة العدو الصهيوني.. وأبرزها لقاء وزير خارجية البحرين مع نظيره الصهيوني، وزيارة بعض الصحافيين من دول عربية فلسطين المحتلة واجتماعهم مع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو.. مما وفر الغطاء لإقدام العدو على ارتكاب المزيد من الجرائم ضدّ أبناء شعبنا في فلسطين المحتلة.. ولماذا لا يقدم العدو على ارتكاب المزيد من الجرائم طالما انه يحظى بتأييد ودعم وغطاء من حكومات عربية رجعية أوغلت في خيانة قضية فلسطين وأشهرت تحالفها مع كيان العدو في مواجهة محور المقاومة، وتقود حملة سياسية وإعلامية لتمكين الكيان الصهيوني من جعل وجوده، غير الطبيعي، طبيعياً ومن التسيّد على المنطقة..

الحقيقة الرابعة: انّ الجريمة الجديدة يجب أن تولّد قناعة نهائية لدى قيادة منظمة التحرير.. التي لا تزال تلتزم اتفاق أوسلو.. بأنّ بقاءها وحيدة في الاتفاق لا يحمي ايّ حق من الحقوق القومية في فلسطين، بل على العكس فإنّ العدو يريد منها أن تبقى ملتزمة في الاتفاق حتى تواصل السلطة الفلسطينية عملية التنسيق الأمني مع ​الأجهزة الأمنية​ للاحتلال.. وتوفر له الغطاء للاستمرار في محاربة المقاومين وملاحقة النشطاء في أنحاء الضفة الغربية والقدس.. وبالتالي يستمرّ في ابتزاز السلطة لخدمة أهدافه الأمنية مقابل دفع أموال الضرائب التي يجبيها لصالح السلطة…

الحقيقة الخامسة: انّ الجريمة الصهيونية تؤكد من جديد أنّ العدو الصهيوني لا ينفع معه سوى لغة ​المقاومة الشعبية​ والمسلحة فهي اللغة الوحيدة التي يفهمها.. والتي تحمي فلسطين وتمكن شعبها من تدفيع العدو ثمن احتلاله بتحويله إلى جحيم وفي حالة من عدم الاستقرار الدائم تجبر المستوطنين الذين جاؤوا من أنحاء ​العالم​ المختلفة على العودة من حيث أتوا هرباً من هذا الجحيم.. فهم لم يأتوا إلى فلسطين إلا لأنهم وُعِدوا بحياة الرفاهية والأمن والاستقرار لكن عندما يفتقدون الأمن والاستقرار ويعرفون أنّ حياتهم بخطر.. انْ هم ظلوا في فلسطين المحتلة… فإنهم بالتأكيد سيعودون الى البلدان التي جاؤوا منها.