هل يعود التاريخ 33 سنة إلى الوراء؟ ما يحتِّم طرح هذا السؤال هو أن ما كان يجري مطلع العام 1986 شبيه إلى حدٍّ ما بما يجري اليوم.

في ذلك التاريخ تعطَّلت اجتماعات ​مجلس الوزراء​، فبات تسيير اعمال السلطة التنفيذية يتم عبر ما اصطُلِح على تسميته آنذاك "المراسيم الجوَّالة" بمعنى أن المرسوم كان "يجول" بين ​قصر بعبدا​ و​رئاسة الحكومة​ والوزارة المختصة، فيصدر ويُنشَر في ​الجريدة الرسمية​.

اليوم، ما يجري هو التالي:

مجلس الوزراء معطَّل منذ محاولة إنعقاد الجلسة الأخيرة في الثاني من هذا الشهر، بعد 48 ساعة على حادثة ​قبرشمون​. الجلسة لم تنعقد لأن "الثلث المعطِّل" لم يحضر وعطَّل انعقادها. ومنذ ذلك التاريخ وهناك محاولات لأنعقادها لكنها محاولات تفشل تباعًا "وكل اسبوع بيقولو هالاسبوع".

***

لكن الأزمات لا تسير على توقيت ومزاج الذين يدعون أو لا يدعون لجلسة مجلس الوزراء، فمنذ 2 تموز وإلى اليوم، تفاقمت وتراكمت الأزمات التالية:

النفايات​ بدأت تملأ الشوارع، ​الكوستابرافا​ امتلأ، ​مطمر برج حمود​ امتلأ... يعني ان النفايات ستبقى في الشوارع، ومع حرارة تتجاوز الأربعين درجة تُصبح الروائح النتنة والكريهة تملأ الأمكنة وتدخل إلى البيوت والمكاتب، فإلى أين المفر؟

التعيينات​ الإدارية الملحة باتت أكثر من ضرورية وأكثر من مطلوبة، في ظل الإستحقاقات الداهمة ولا سيما منها الإستحقاقات المرتبطة بمقررات مؤتمر "سيدر".

السؤال هنا: كيف سيتم تسيير هذه الأمور؟

بالتأكيد ليس هناك من إمكانية لمراسيم جوالة، كما كان يحدث في اواسط الثمانينيات، لكن يبدو انه يتم ابتكار "فذلكة" جديدة يمكن تسميتها بأنها

"مجالس وزارية مصغرة ومتخصصة" كبديل من مجلس الوزراء ​الدستور​ي.

بمعنى أن تنعقد "إجتماعات" لموضوع معيّن فتضم الوزراء المعنيين، وبدل

"القرارات" تصدر "توجيهات"!

هكذا حصل بالنسبة إلى موضوع النفايات حيث حصلت اجتماعات ضمَّت المعنيين من وزراء ومستشارين.

وهكذا حصل بالنسبة إلى ملف الوضع القانوني للعمال الفلسطينيين حيث انعقد اجتماع ضم الوزير المختص والمعنيين.

***

لكن هذه هرطقة دستورية:

قبل ​الطائف​ كان الدستور يقول:

"تُناط السلطة الإجرائية ب​رئيس الجمهورية​".

بعد الطائف يقول الدستور:

"تُناط السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء مجتمعًا".

هذا يعني ان أي اجتماع لا يحضره كل الوزراء، لا يمكن التعويل عليه، ويكون كل ما يُتفق عليه مخالفًا للدستور وللقوانين المرعية الإجراء.

***

هذا الأداء سيكون تحت أعين الهيئات الدولية التي سترى أن تعطيل مجلس الوزراء من شأنه ان يعطِّل البلد ككل، فشروط "سيدر" كانت ان تجري ​انتخابات​ نيابية تنبثق عنها حكومة تضع موازنة وتباشر بالإصلاحات، وهكذا ينتظم عمل السلطات، لكن الذي حصل ان ​الإنتخابات النيابية​ جرت وتأخر ​تشكيل الحكومة​ سبعة أشهر وتأخر انجاز ​الموازنة​ سبعة أشهر ايضًا، والإصلاحات لم تبدأ بعد.

فعن أي تفاؤل تتحدثون؟