لم يعد ينفع الإستنكار ولا الشجب. لم يعد مقبولاً الصمت والتفرج عن قربٍ وعن بعد. إنها ​بعلبك​-الهرمل المنطقة التي تُغتال منذ سنين طويلة، من دون أيّ رادع أخلاقي، إنساني، وطني، ومن دون وجود أيّ نيّة للدولة ال​لبنان​ية لمعالجة ازمة بعلبك-الهرمل. صحيح أن العلاج لا يكون أمنيّاً فحسب، بل يأتي ضمن خطّة مكتملة العناصر الثقافيّة، الإنمائيّة، الإقتصاديّة، والسياسيّة، لكن بعلبك-الهرمل عاشت سنوات الأمان بعد دخول ​الجيش السوري​ الى البقاع: يومها رابط ضابط سوري مع بضعة عناصر فقط، في إحدى مغاور المنطقة، وإستدعى كلّ مخالف أو مُسبّبٍ لأيّ إشكال أمني، فأدخل الرعب في نفوس المتهوّرين والمشاكسين ومنعهم من تنفيذ جرائم وإشكالات.

لا يعني اليوم أن ​الجيش اللبناني​ لا يقوم بدوره، لكن اهالي ​البقاع الشمالي​ يستذكرون ذاك الضابط السوري الذي كانت تؤازره دولته فيضبط بإسمها أيّ خلاف أو يمنع حصول أيّ جريمة، بينما تقصّر الدولة اللبنانيّة الآن في تقديم العلاج الشافي للمنطقة المذكورة.

واذا كان هناك من يرمي المسؤوليّة كاملة على الدولة المقصّرة، فإنه يتجاهل وجود ثقافة الثأر التي تتمدد بين الأجيال الجديدة أيضاً في بعلبك-الهرمل، مما يؤشّر الى وجود واقع مأساوي. هي مسؤولية مجتمع بأكمله، تبدأ من منازل يترعرع فيها الاطفال وسط مظاهر مسلحة، وحديث الأهل عن الثأر والقتل. لا يجوز التعميم هنا، لأنّ قلةً تمارس تلك الأفعال، ولا تأبه الى مستقبل الأجيال، ولا تنبذ سيئات متوارثة منذ القدم.

لكن القلّة باتت تخرّب مجتمعاً بأكمله، وتمنع عنه حق الحياة بأمان، وتساهم مع تقصير الدولة في حرمان المواطن في بعلبك-الهرمل من ابسط مقوّمات الحياة. فمن يردع هؤلاء مهما كانت أعدادهم؟ ألم يحن الوقت لإندلاع ثورة ثقافيّة إنسانيّة على قاعدة ما أرساه يوما الإمام السيد ​موسى الصدر​ في سعيه لدحر الثأر وفرض الإستقرار في بعلبك-الهرمل؟

يجب ان تنطلق تلك الثورة من منازل البقاعيين أنفسهم، من يومياتهم، ومدارسهم، واعمالهم، وحقولهم، ومساجدهم، وساحات بلداتهم، ومآتمهم، وأعراسهم، واسواقهم، وأحاديثهم، وخطابات سياسييهم، وتصرفات احزابهم، وعشقهم، وتواصلهم. فإلى متى الإنتظار؟ وهل تحتمل المنطقة مزيداً من العبث؟ لا، لم يعد بمقدورها الإنتظار، لأنّ الأثمان باهظة يدفعها المواطن دماً، ومعيشة. وبدل ان تجذب بعلبك-الهرمل السوّاح والمغتربين واللبنانيين الى انهارها وينابيعها ومروجها وقلعتها وطيبة وكرم واهلها، فإن المتهوّرين فيها يحبطون أيّ مساعي لإنعاش المنطقة وفرضها على الخريطة السياحية اللبنانية.

وحدهم اهالي بعلبك-الهرمل يدفعون الأثمان كلّ يوم، ليبقى هذا الموّال مصدر قلق وحيرة وإحباط.

الإغتيال يحصل في كل ساعة، وآن أوان ان يعترض المواطنون بطرق عدّة على إغتيالهم، كي لا يفقد المواطنون أولادهم وحاضرهم ومستقبلهم، ويُستكمل مخطط الإنهيار المجتمعي الداخلي الذي يناسب أعداء لبنان. وهل ينقصنا أن يسقط ضحايا عند كل موّال او عتابا؟