من ​بكركي​ إلى ​الديمان​ إلى كل بقعة من بقاع ​لبنان​ إلى روما والفاتيكان إلى كل بقعة من بقاع الدنيا... يتحرك، يتنقل، يعظ، ينصح، يُنبِّه، يُحذِّر... أمران لا يقوم بهما: لا يبقى في مكانه، ولا يصمت.

هو البطريرك الثاني والسبعون على رأس ​الكنيسة المارونية​.

هو الذي "مجد لبنان أُعطي له".

هو الذي يجول المعمورة من أجل مصلحة اللبنانيين، ومنهم ​الموارنة​.

***

البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​، له في كل قضية موقف، وموقفه دائمًا ما يكون حازمًا حاسمًا كحد السيف، وفي عيِّنة من هذا الحسم والحزم، ما قاله في عظة يوم الأحد حيث تطرق إلى أعقد الملفات ​الدستور​ية والقانونية والسيادية والمعيشية.

ففي الدفاع عن الدستور، يقول البطريرك الراعي:

"لا يحقّ للسّياسيّين عندنا تنصيب ذواتهم فوق الدّستور والعدالة والمؤسّسات. ولا يمكن القبول بتعطيل اجتماع ​الحكومة​ وتخلّيها عن مسؤوليّتها كسلطةٍ إجرائيّة، ولا بأخذها رهينةً لتجاذباتٍ سياسيّة".

وفي مقاربته للملفات ​الاقتصاد​ية يقول:

"ولا يحقّ للقوى السّياسيّة خلق حالةٍ من التّوتّر واللّاإستقرار تؤدّي إلى عدم البحث في الملفّات الإقتصاديّة والماليّة والإجتماعيّة الضّروريّة والملحّة، وملفّات التّعيينات، ما يؤثّر سلبًا على الوضع الإقتصاديّ والمالي والمعيشيّ، ويزيد من حالة ​الفقر​ والحرمان، ويُفقد الدّولة ثقة الشّعب والمجتمع الدّوليّ بها.

***

وفي معرض تمسكه بالتوازن، حفاظًا على الإستقرار في الوطن، يقول:

"ولا يمكن القبول بخرق قاعدة ​المناصفة​ وبممارسة الاستئثار والاحتكار في الوظائف الرّسميّة، في الوقت الذي تبقى فيه النّزاهة والكفاءة والمناقبيّة ​القاعدة​ الأساس للتّوظيف. ولا بدّ من الإشارة إلى وجوب إصدار المرسوم بتعيين النّاجحين في مباريات كتّاب ​العدل​ وقد التقيناهم. لماذا تحطيم آمال شبابنا الذي يريد أن يعيش في لبنان ويخدم مؤسّساته؟ أيّ جوابٍ تعطيهم السّلطة للدّلالة على أنّها تحترمهم وتحترم القانون الذي تسنّه هي ثمّ تخالفه تطبيقًا؟

***

إنه أكثر من ناقوس الخطر يدقه الكاردينال الراعي، يُمسِك بكل الملفات لأنه يعرفها جيدًا، سواء من خلال متابعته الدائمة لها أو من خلال إطلاعه عليها من أصحاب العلاقة مباشرةً الذين يزورونه سواء في بكركي أو في الديمان أو حين يلتقونه أثناء جولاته في الرعايا والقرى والبلدات... هو يستمع الى الناس لأنه قريب منهم ويعرف أن صوت الناس هو الصوت الصادق الخالي من أي حسابات أو محسوبيات.

***

ويصل الكاردينال الراعي إلى بيت القصيد ويضع إصبعه على جرح نازف منذ سبعين عامًا، إنه قصة المأساة الفلسطينية، لكن الكاردينال الراعي يقاربها من زاوية جريئة وشفافة، فيخاطب ​الفلسطينيين​ بالقول: "نأمل أن يدركوا هم أيضًا واقع الشّعب اللّبنانيّ الذي أصبح ثلثه تحت خط الفقر، و35% من شبابه يعاني ​البطالة​، و70% من اللّبنانيّين غير مضمونين، والدّولة غارقةٌ في الدّيون، والخزينة في عجزٍ موصوف، والاقتصاد في كلّ قطاعاته متعثّرٌ، ولا تنتهي سبحة الحالة البائسة التي بلغنا إليها. إنّ ​قانون العمل​ الذي تعمل الوزارة على تطبيقه يحفظ حقّ الجميع. فرجاؤنا ألاّ يكافئ الإخوة الفلسطينيّون لبنان وشعبَه بالتّظاهرات والانتفاضات".

هل من كلام جريء أقوى من هذا الكلام؟

الكاردينال الراعي يكاد أن يكون المرجع الوطني الذي يقول الحقائق كما هي لأنه مؤتمن على إرث: إرث الوطن وإرث ​الدولة​ وإرث الكنيسة، والجامع المشترك لها هو: إرث الإنسان. فبالنسبة إليه: الإنسان أولًا، الذي يحمل القيم.

***

إنه بطريرك "الشركة و​المحبة​" ليس فقط منذ اعتلائه السدة البطريركية بل منذ تدرجه في مسؤولياته الكنسية.

***

"صاحب الغبطة... حفظك الرب".