هل بدأ السباق السنّي نحو ​رئاسة الحكومة​؟ سؤال يبدو في غير أوانه، لأسباب عدّة: اولاً، لا نيّة عند أحد بتغيير الحكومة حالياً. ثانياً، تفصلنا ثلاث سنوات عن موعد الإنتخابات النيابية، التي تعقبها ولادة حكومة جديدة. ثالثاً، لا تزال قوى "8 آذار" تتمسك ب​سعد الحريري​ رئيساً للحكومة.

لكن كل تلك الأسباب لا تنفي وجود مرشحين محتملين لرئاسة الحكومة بدأوا يعدّون العدّة، لإعتبار أن الأسباب المذكورة لا تعني أن الإستقرار الحكومي القائم دائم، كما اظهرت تداعيات حادثة ​قبرشمون​ وعدم إنعقاد مجلس الوزراء منذ شهر. علماً أن دوافع السباق السياسي هي مشروعة، وتستند الى ارض خصبة توحي بإمكانية التغيير الحكومي، على وقع نقاش جوهري بشأن إتفاق الطائف، والدولة المدنية المطروحة، والمناصفة، والتباين الذي حصل حول المادة ٨٠ من ​الموازنة​ المالية لعام ٢٠١٩.

يقول مطّلعون في الساحة السنّية إن مجرد وجود جبهة سياسية مكوّنة من رؤساء الحكومات السابقين "يعني عدم قدرة الحريري على حفظ حقوق السنّة في الدولة"، لأن رئيس الحكومة يرتبط بإتفاق سياسي مع وزير الخارجية ​جبران باسيل​ غير قابل للإهتزاز، بينما يصوّب الثلاثي: ​نجيب ميقاتي​ و ​تمام سلام​ و​فؤاد السنيورة​ على مواقف باسيل التي يراها السنّة انتقاصاً من حقوقهم وإنقضاضاً على إتفاق الطائف، ولا سيما إزاء حديثه عن المناصفة بكل وظيفة وموقع مهما بلغ حجمه.

وإذا كان رؤساء الحكومات السابقين دعموا الحريري، وطالبوا ​السعودية​ بتبثيت موقعه وتزويده بمقومات الصمود في وجه الحملات التي تضعفه داخلياً، فإن حراكهم أوحى بضعف رئيس الحكومة "الذي لم يُصدر اي موقف ضد كلام باسيل، بينما تولى الثلاثي تنفيذ مهمة الدفاع". خصوصا ان الدول العربية كانت بحثت سابقا عن بديل عن الحريري، وسألت حلفاءها وأصدقاءها عن إسم مطروح، فتفاوتت الأجوبة حينها بين: سلام والسنيورة وميقاتي، والنائب نهاد المشنوق ورئيس حزب الحوار الوطني ​فؤاد مخزومي​. لكن الكفّة رجحت الحريري يومها، لأنه يتفوق بالتمثيل الشعبي العابر للمناطق، ويحظى بدعم أوسع، وتقبل به كل مكونات "٨ آذار".

المستجدات الآن توحي بإمكانية تبدّل الخيارات في زمن "المس بمكتسبات الطوائف"، وفي ظل تغييرات إقليمية مرتقبة توحي بتسويات قادمة. ينقل مطّلعون عن السعودية انها تميل الى دعم خيارات سياسية سنيّة متعددة، انطلاقا من وقائع فرضتها الإنتخابات النيابية، فلم تعد أحادية الحريري قائمة، وبات ميقاتي لاعباً اساسياً بدليل نجاحاته الطرابلسية سياسياً وشعبياً، وتسمية وزير له في الحكومة الحالية، ومخزومي في بيروت نتيجة فوزه في معركة صعبة في العاصمة فثبّت نفسه رقما بيروتيا اساسياً، رغم انه كان يواجه فريق السلطة بكامله. وكذلك اوحى فوز جهاد الصمد في الضنية، و اسامة سعد في صيدا، و عبدالرحيم مراد في البقاع، انهم عصيون على الإلغاء، الى درجة ان مراد استطاع مع حلفائه فرض نجله حسين وزيرا في الحكومة.

تلك التعددية تعزز من فتح المجالات في مقاربة موضوع رئاسة الحكومة في وقتها. ومن هنا ينطلق الحديث عن سباق موجود بين الأسماء المطروحة. لكن من يحظى بالدعم؟ يبدو ان الخيار سيتجه مستقبلا نحو رئيس لحكومة تعيد الألق الإقتصادي او تمنع الإنهيارات المالية، وكأن لبنان سيستعيد محطة ٦ آيار ١٩٩٢ يوم حصلت الاحتجاجات ضد حكومة رئيس مجلس الوزراء الراحل عمر كرامي، لكن هذه المرة لن تكون في الشارع، بل بعنوان إقتصادي، ينتج عنه توافقيا واضطرارياً حكومة تنال ثقة الداخل ورضى الخارج.

وعلى هذا الاساس تحضر أسماء ميقاتي ومخزومي إضافة الى الحريري، كمرشّحين جديين لرئاسة الحكومة عندما يحين الوقت المناسب، من دون ان يعني ذلك إسقاط الاسماء الأخرى. فقد تفرز التسويات الاقليمية المحتملة وقائع جديدة. واذا كانت رغبة المشنوق موجودة بتولي رئاسة الحكومة، فإن الاجواء السياسية الداخلية أو الخارجية لا تساعده، بينما سيتعرض الآخرون الى حملات سياسية بدأت تلوح في الأفق.