على ما يبدو، لم يتعلم البعض من تجربة ​الحرب اللبنانية​، التي يتحمل المسؤولية فيها جزء من ​الفلسطينيين​، ويريد أن يكرّر تجربة الماضي، غير ملتزم بأصول الضيافة، وكأنّ المطلوب من اللبنانيين أن يدفعوا دائماً ثمن هذه القضية. فهل من المسموح لهم بتجاوز القوانين تحت طائلة التهديد في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء رغم كل التسهيلات التي تقدّم لهم؟.

ما يحصل لم يعد من الممكن السكوت عنه، ومن المفترض أن يدفع إلى فتح هذا الملفّ على مصراعيه لمرّة واحدة فقط عنوانها عودة المخيّمات الفلسطينيّة إلى كنف الدولة، ومعالجة مشكلة السلاح المتفلّت غير الشرعي الذي لم يعد له أي مبرر منطقي، خصوصاً أنه لا يستعمل إلا لتوتير الأجواء في داخلها وبالجوار، بعيداً عن الشعارات التي يرفعها البعض لناحية ربطه ب​حق العودة​ أو قتال العدو الإسرائيلي، خصوصاً أن الرئيس الفلسطيني ​محمود عباس​ هو أول من يدعو إلى ذلك بشكل دائم.

مؤخّراً، بدأت الأجواء في المخيّمات تسوء بعد قرارات وزير العمل ​كميل أبو سليمان​، المُحقّة والمطلوبة، لتعيد للعامل اللبناني حقه بعد سنوات من الظلم. ولا شك أنّ استعادة العامل اللبناني لحقه لا يمكن ان تتحقق الا بتطبيق القوانين التي تحميه مقابل العمالة الاجنبية. هذا ما حاول وزير العمل القيام فقامت الدنيا عليه ولم تقعد. مع الأخذ بعين الإعتبار أن قرارات ​وزارة العمل​، لم تساوِ بين الفلسطيني وباقي العمّال الأجانب بل أعطته بعض الامتيازات والاستثناءات. إلا أن هذه الإجراءات لم تعجب بعض الفلسطينيين، وكأنّ المطلوب أن يبقى الوضع متفلتاً دون حسيب أو رقيب ودون دفع ما يتوجب عليهم.

اعترض ​اللاجئون الفلسطينيون​ على القرارات الجديدة، على مبدأ أنّهم من اللاجئين لا مغتربين عن بلدهم، وبالتالي لا يجوز معاملتهم كالأجنبي العادي، لانهم لا يملكون خيار العودة الى فلسطين. قد يكون حقّ الاعتراض مشروع بحسب القوانين اللبنانية، إلا أنّ تحول هذه الاعتراضات إلى تحرّكات بالشارع واقفال للطرق، أخذ المشكلة الى مكان مختلف. فقد بات التحرّك خطرا والاعتصامات مكانًا للفتنة، والاضرابات منبرا للفوضى.

على هذا الصعيد، المسؤوليّة تقع على عاتق جميع الأفرقاء السياسيين في لبنان، لأنه من غير المقبول أن يكون هناك أيّ خلاف حول هذه المسألة، بعيداً عن المزايدة الشعبويّة لأيّ سبب كان، فهنا المسألة لم تعد تحتمل أيّ تأخير، ومن غير المقبول أن تبقى المخيّمات بؤراً أمنيّة لضرب الإستقرار المحلّي، ثم يتم معالجة الأمر على قاعدة "تبويس اللحى".

لم يعد مقبولا ما يحصل في المخيّمات الفلسطينيّة، تماما كما لم يكن مقبولا تغيّب الوفد الفلسطيني عن اجتماع السراي الحكومي، وإهانة رئاسة الحكومة، ووزارة العمل، وأيضا لم يعد مقبولا السكوت عما يجري في المخيمات بحجّة "التعبير عن الرأي"، فالامر ليس تعبيرا إنما تخريبًا، وما استغلال التحرّك في ​عين الحلوة​ اليوم لتنفيذ عملية اغتيال بحق أحد رجال حركة فتح، الا بدليل على خطورة ما يجري. فهل المطلوب إستغلال المخيّمات في تعكير صفو الاستقرار اللبناني، لإعادة مشهد أحداث السبعينات إلى الواجهة من جديد؟!.