لا يهمّ التبريرات التي تُعطى مع كل إنتكاسة أمنيّة داخل أحد المُخيّمات الفلسطينيّة، حيث أنّ ما حدث في الأيّام الماضية، وما يحدث مرارًا وتكرارًا، يُذكّر في كلّ مرّة بالسلاح الفلسطيني المُتفلّت، والذي فقد أي معنى في المُواجهة المُفترضة مع إسرائيل، وتحوّل إلى سلاح يُستخدم في إقتتال فلسطيني–فلسطيني بين الحين والآخر، وفي إستعراضات مُسلّحة تتحدّى هيبة الدولة والمؤسّسات الأمنيّة في لبنان، وحتى في تنفيذ عمليّات قتل وسطو مسلّح وإرهاب خارج المُخيّمات، من قبل بعض الفارّين من القضاء اللبناني، وبعض الجماعات المُسلّحة الإرهابيّة والتي تأخذ المَدنيّين الفلسطينيّين دروعًا بشريّة لها داخل المخيّمات!.

ولعلّ مُقارنة بسيطة بين كيفيّة تعاطي لبنان مع اللاجئين الفلسطينيّين، وكيفيّة تعامل باقي الدُول العربيّة التي تستضيف لاجئين فلسطينيّين على أراضيها، كفيلة وحدها بإنصاف السُلطات اللبنانيّة، وبتبرير الإجراءات القانونيّة التنظيميّة التي تعمل وزارة العمل على تنفيذها، مع توفير العديد من الإستثناءات والإمتيازات لصالح الشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق:

في مصر: يُمنح اللاجئون الفلسطينيّون ثلاثة أنواع مُختلفة من الإقامات، هي الإقامة الخاصّة التي تمتدّ لعشر سنوات، والإقامة العاديّة، والإقامة المُوقّتة، علمًا أنّ أغلبيّة الفلسطينيّين المُقيمين في مصر يحملون تصاريح إقامة مُوقّتة تمتدّ ما بين سنة وثلاث سنوات، بحيث أنّ على اللاجئين تجديدها بإستمرار. وبإمكانهم العمل في مصر، لكن عليهم أوّلاً الإستحصال على تصاريح عمل، شأنهم في ذلك شأن أيّ مواطن غير مصري. وبالتالي على اللاجئ الفلسطيني الراغب بمُمارسة أيّ مهنة في مصر، أن يكون لديه تصريح إقامة، وأن يحصل على إذن بمُزاولة المهنة المُستهدفة، بشكل مُسبق، علمًا أنّ أذونات العمل تصدر عن وزارة العمل والتدريب. ويُعامل اللاجئون الفلسطينيّون في مصر، مُعاملة غيرهم من الأجانب، في ما يخصّ التعليم، ومن بين الشروط مثلاً دفع النفقات الجامعيّة بالعملة الأجنبيّة. وفي ما خصّ حقّ التملّك، يتمتّع اللاجئون الفلسطينيّون بنفس حُقوق إمتلاك العقارات الخاصة بالرعايا الأجانب.

في الأردن: تختلف حُقوق اللاجئ الفلسطيني تبعًا لنوعية جواز السفر الذي يحمله، حيث أنّه مثلاً لا يحصل اللاجئ الفلسطيني الذي يحمل جواز السفر الأردني المُوقّت على نفس الحقوق التي ينالها الفلسطينيّون من حملة الجواز الأردني، حيث يُمنع اللاجئ الذي يحمل جواز السفر الأردني المُوقّت، من مُزاولة مجموعة من المهن، تبعًا للقوانين الأردنيّة. وهو ممنوع أيضًا من التملّك، ولا يحقّ له الإستفادة من الضمان الإجتماعي ومن منح التعليم ومن الرعاية الصحيّة، إلخ.

في سوريا: يُعتبر اللاجئ الفلسطيني "غير سوري" لجهة التصنيف القانوني، ولا يتمّ منحه الجنسيّة السُوريّة مهما طالت فترة إقامته في سوريا، حتى لوّ كان مولودًا على الأراضي السُوريّة. وفي حين يستفيد اللاجئ من عدد من حُقوق التعليم والطبابة والتنقّل والعمل، فإنّه يخضع لواجبات عدّة، أوّلها دفع مُختلف الضرائب، وكذلك الخُضوع للخدمة العسكريّة لصالح وحدات الجيش السُوري، حيث يتوجّب على اللاجئ الفلسطيني في سوريا، تأدية الخدمة الإلزاميّة في ما يُسمّى "جيش التحرير الفلسطيني" الذي يُعتبر جزءًا من قطاعات الجيش السُوري النظامي، علمًا أنّه تم إشراك هذه الفصائل العسكريّة في العديد من المعارك الشرسة على الجبهات في الداخل السُوري!.

ويتبيّن ممّا سبق أنّ اللاجئين الفلسطينيّين يخضعون للقوانين المرعيّة المُطبّقة في مصر والأردن وسوريا، والتي تختلف بين بلد وآخر تبعًا لقانون كل بلد، وبالتالي، ليس مفهومًا لماذا يرفض بعض الفلسطينيّين التقيّد بالقوانين اللبنانيّة، كما يفعل نُظراؤهم في باقي الدول العربيّة! وليس بسرّ أنّ اللاجئين الفلسطينيّين لا يملكون السلاح في أي مكان في العالم، سوى لبنان، في إستمرار لوضع شاذ وغير مقبول منذ عُقود. من هنا، إنّ الدفاع عن القضيّة الفلسطينيّة شيء، والمُتاجرة السياسيّة والإعلاميّة بها شيء آخر! والدفاع عن حُقوق الشعب الفلسطيني وعن اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان ومُختلف الدول العربيّة شيء، وإستغلال حالات الفقر والبؤس داخل المُخيمات والسعي لتأليب الرأي العام الفلسطيني عبر عمليّات مشبوهة لغسل الأدمغة، بهدف المُضيّ قُدمًا في مخالفة القوانين وفي ضرب هيبة الدولة اللبنانيّة وفي تنفيذ أجندات خارجيّة، شيء أخر تمامًا!.

وبالتالي، المَطلوب توفير كل الدعم اللازم لوزير العمل كميل أبو سليمان، ولوزارة العمل اللبنانيّة للإستمرار في تطبيق القوانين المرعيّة الإجراء على الفلسطينيّين –تمامًا كما تُنفّذ على كل الأشخاص غير اللبنانيّين، وحتى على اللبنانيّين أنفسهم! والمَطلوب أيضًا- طالما أنّ الفلسطينيّين يُصرّون على فتح كامل ملفّ "حُقوقهم" في لبنان، أن تفتح السُلطة اللبنانيّة بدورها كامل ملفّ "واجبات" اللاجئين الفلسطينيّين، وفي طليعتها تسليم أسلحتهم إلى الجيش اللبناني وإلى القوى الأمنيّة الرسميّة اللبنانيّة، ووقف كل أعمال الشغب وقطع الطرقات وإحراق الدواليب وتعكير الإستقرار السياسي في لبنان، تمهيدًا لأن ينال كل صاحب حقّ حقّه، تحت راية الدُستور اللبناني وبنوده القانونيّة المُختلفة.

في الختام، الأكيد أنّ على اللاجئين الفلسطينيّين تغيير أسلوب تعاطيهم مع الدولة اللبنانيّة وإجراءاتها مُمثّلة بوزير العمل وبوزارة العمل ككل، حيث عليهم المُبادرة إلى التقيّد بالقوانين بدلاً من الإستمرار في سياسة إعتراض غوغائيّة، وفي مُقاطعة جلسات التفاوض المَعروضة عليهم لتحسين أوضاعهم، ولمنحهم المزيد من الإمتيازات! والأكيد أنّ مُحاولات بعض الجهات اللبنانيّة ركوب مَوجة الإعتراضات الفلسطينيّة، بهدف تصفية حسابات سياسيّة ضيقة ومُزمنة، أو لكسب ودّ جماعات مُسلّحة على أمل توظيفها لصالحها في المُستقبل، لن تنجح، وهي لا تدلّ أصلاً سوى عن إنعدام الحسّ الوطني، وعن إنعدام الإنتماء إلى الهويّة اللبنانيّة، وعن تفضيل مصلحة "غير اللبناني" الأمنيّة والسياسيّة والإقتصاديّة والحياتيّة، على مصلحة اللبناني!.