على الرغم من تصاعد وتيرة الأمواج الساخنة جراء حشد البوارج الحربية والاستعدادات العسكرية المتبادلة فإن دوافع نشوب حرب مدمرة في منطقة الخليج أضحت معطلة نتيجة عوامل عدة تركت تأثيراً بالغاً أجبر أصحاب الرؤوس الحامية في كل من ​الولايات المتحدة الأميركية​ والعدو الإسرائيلي إضافة إلى السعودية و​الإمارات​ الراغبين بالحرب، على إعادة النظر بحساباتهم، ذلك نتيجة واقع جديد في ميزان القوى السياسية والعسكرية فرضته ​إيران​ بالتكافل والتضامن، ومحور ​المقاومة​ أجبر الجميع على الاستدارة ولو بنسب متفاوتة والجنوح نحو بوصلة التفاوض بدلاً من حرب لن تبقى محصورة بإيران ولا يمكن التكهن بنتائجها المدمرة.

احتجاز إيران للباخرة البريطانية بعد أيام من إسقاط طائرة التجسّس الأميركية فوق النطاق الإقليمي الإيراني شكل خطوة نوعيه في المواجهة في المنطقة من شأنها أن تفرض إيقاعها على الكثير من العلاقات الدولية خصوصاً تلك التي يكون الغرب طرفاً فيها. فالغرب عموماً والولايات المتحدة الأميركية و​بريطانيا​ لم يتعودوا المواجهة مع أي دولة من دول المنطقة على قاعدة الندية نظراً لارتهان قرار تلك الدول ل​أميركا​ وبريطانيا خصوصاً والغرب عموماً.

إذاً إسقاط إيران طائرة التجسس الأميركية بعد خرقها المجال السيادي الإيراني واحتجازها ​ناقلة نفط​ بريطانية رداً على احتجاز بريطانيا ناقلة نفط إيرانية في مضيق ​جبل طارق​ جاء نتيجة استقلالية في القرار السيادي الإيراني ما أسهم برسم قواعد اشتباك جديدة في المنطقة قائمة على أسس الردّ المناسب في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، فإيران وفقاً لهذا المبدأ لم تعتد ولم تكن المبادرة إلى عمل ميداني ما لم يكن مسبوقاً بعدوان عليها، بمعنى أن إيران لن تسكت عن أي عدوان يستهدفها وأن ما قامت به إيران يندرج في خانة الدفاع عن السيادة الوطنية الإيرانية.

إذاً تمكنت إيران من إسقاط الهيبة الأميركية والبريطانية وأكدت أنها لا تخشى ما هم عليه من قوّة، الأمر الذي عطل الشحن الإسرائيلي السعودي الإماراتي بالذهاب نحو الحرب ما دفع دولة الإمارات باعتماد حسابات أكثر دقة مع إيران مفضلة إجراء مراجعة شاملة لمواقفها السابقة واعتماد مبدأ التفاوض مع إيران بدلاً من مواجهتها وإلا فالخسارة الاقتصادية والعسكرية مؤكدة.

أميركا مصابة بالارتباك فتارة تفرض عقوبات على وزير خارجية إيران ​محمد جواد ظريف​ وفي اليوم التالي توجه إليه دعوة رسمية لزيارة ​البيت الأبيض​.

بريطانيا أصيبت بالصدمة نتيجة تذبذب الموقف الأميركي بعد تركها وحيدة تواجه مصيرها مع إيران، العدو الإسرائيلي المصاب بالرهاب من لهيب حرب لا بد أن تعيده إلى ما قبل وجوده في المنطقة، بات يتلطى خلف الموقف الأميركي، أما الموقف السعودي المصاب بالخيبة جراء المراهنة على الأميركي خصوصاً بعد وصول الصواريخ ​اليمن​ية الباليستية إلى العمق السعودي متجاوزة بطاريات الباتريوت الأميركية غير المجدية أصلاً وبعد إدراك السعودية للنيات الأميركية الهادفة إلى إطالة أزمتها في اليمن طمعاً بنهب أموالها وثرواتها إضافة للموقف الإماراتي المستجد، فإن السعودية ونتيجة للمستجدات بدأت بالفعل بتنويع مصادرها العسكرية متجهة نحو الصين نكاية بالأميركي وهي في طور تغيير نهجها السياسي المتبع مع إيران بانتظار النتائج الإيجابية لمفاوضات دولة الإمارات مع إيران لأنها ستكون عتبة يعبر السعودي من خلالها نحو سلوك درب التفاوض بعد وساطة عمانية ولقاءات ناجحة وإن بقيت سرية فتحت كوة في جدار العلاقات بين البلدين باجتماع رؤساء لجنة الحج الإيرانية السعودية في مكة المكرمة الذي جاء بنتائج إيجابية الأمر الذي يبشر بما هو قادم من تغيير في البوصلة السعودية.

مسؤول في دولة خليجية متابعة لملف الوساطة بين السعودية وإيران وفي جلسة ضيقة قال: واهم من يعتقد أن محور الاستدارة الإماراتية هو الانسحاب من الميدان اليمني فقط بيد أن الشروط الإيرانية للقبول بمفاوضات معها هو يمتد من مياه الخليج و​مضيق هرمز​ وصولاً إلى تعطيل كل الدعائم التي تشكل عائقاً أمام الحل في الشمال السوري ووقف كل أشكال دعم الجماعات الكردية والإرهابية المسلحة فيها وتحديداً في منطقة إدلب وشرق الفرات، ومما لا شك فيه أن هذا المطلب الإيراني سينسحب على الجانب السعودي بوقف حملة عاصفة الحزم في اليمن وتعطيل العمل بغرفة الموك الموجودة في الأردن إضافة إلى وقف الدعم المالي والعسكري عن الأكراد في سورية كشرط أساسي للولوج بمفاوضات إيرانية سعودية.

السعودية لم تعد تملك ترف الخيارات خصوصاً بعد الإرباك الأميركي وسقوط أوراق المراهنة السعودية عليها إضافة إلى الخوف من إعادة فتح ملف مقتل الصحفي ​جمال خاشقجي​ في مبنى ​السفارة السعودية​ في تركيا.

أما الرئيس التركي رجب أردوغان صاحب الحلم العثماني في سورية والمتلكئ في تنفيذ اتفاق سوتشي بانتظار تظهير مدى تأثير الخريطة السياسية والعسكرية المستجدة في الخليج، أضحى الخاسر الأكبر بعد نتائج الانتخابات الأخيرة وتساقطت أوراقه في الشمال السوري بعد إنجازات الجيش العربي السوري بالقضاء على العديد من بؤر الإرهاب، وصار بمواجهة منفردة مع المخطط الأميركي الساعي إلى مشروع إقامة منطقة كردية في شرق الفرات الأمر الذي يعتبره أردوغان تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي.

قبول سورية بوقف إطلاق النار في إدلب هو بمنزلة امتحان جدي للنيات الأردوغانية، وتصريح رئيس الوفد السوري إلى أستانا ​بشار الجعفري​، يندرج في هذا السياق واضعاً الأمور بنصابها وبشكل يكشف نيات أردوغان في تنفيذ بنود اتفاق سوتشي بانسحاب المسلحين والأسلحة الثقيلة والمتوسطة مسافة 20 كلم بعيداً عن منطقة إدلب.

السؤال عن الموقف الروسي مما يجري في الشمال السوري بات سؤالاً ملحاً فالروسي الداعم للموقف الإيراني يسعى إلى مبادرة إعادة الثقة بين إيران والسعودية من خلال الزيارة المرتقبة للرئيس ​فلاديمير بوتين​ إلى الرياض في أيلول القادم ويتحين الفرصة للضغط على التركي لكن من دون الصدام معه نظراً للعلاقات الاقتصادية مع تركيا وإفساحاً بالمجال لأردوغان باستبدال معطفه الأميركي بالعباءة الروسية.

إيران التي رسمت قواعد جديدة سياسية وعسكرية في المنطقة بصمودها ومقاومتها لكل أشكال الضغط والعقوبات الاقتصادية لن تكتفي بتغيير قواعد الاشتباك في منطقة الخليج ومضيق هرمز. بيد أن إيران المدعومة روسياً لا بد لها من تجيير ما حققته من إنجاز عسكري وسياسي في منطقة الخليج لإسقاطه وبسطه على قواعد الاشتباك في الشمال السوري والدفع بأردوغان باتجاه التفاوض والتنسيق مع الجانب الأمني السوري للإذعان في تنفيذ ما هو مطلوب منه بوقف كل أشكال الدعم عن الإرهابيين وتفكيك منظومتهم وتحديداً في إدلب وإلا فإن 10655 جندياً تركياً محتلاً للتراب السوري إضافة إلى 1400 جندي أميركي محتل لشرق الفرات سيواجهون مصيراً مطابقاً لمصير جنود الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.