بعدما كانت إحالة جريمة البساتين على ​المحكمة العسكرية​ مطلب الحزب «التقدمي الاشتراكي»، بدأ الحزب التشكيك في تحقيقات المحكمة، قبل أن يطّلع قاضي التحقيق العسكري على الملف!

لم يكد يصدر ادعاء معاون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم في حادثة البساتين - ​قبرشمون​ (30 حزيران) حتى ثارت ثائرة مسؤولي ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ الذين تحدثوا عن تلاعب بالتحقيق وضغوط مورست على قضاة المحكمة العسكرية. لدى ​الحزب الاشتراكي​ اقتناع راسخ بأنّ اثنين من وزراء ​التيار الوطني الحر​ مارسا ضغوطاً على كل من القاضي غانم وقاضي التحقيق العسكري الأول ​فادي صوان​ الذي يرى إنه «تنحّى عن الملف استجابةً للضغوط»، وهذا ما جاء واضحاً على لسان الوزير ​وائل أبو فاعور​ في ​راشيا​ يوم السبت.

في الحقيقة، لا يوجد ما يُثبت أو ينفي حصول ضغوط قد تكون مورست على أحدٍ من ​القضاة​. وهذا أمرٌ اعتيادي في معظم الملفات العالقة أمام القضاء. إلا أن الثابت هو أن القاضي صوّان لم يتنحَّ عن الملف بخلاف ما يُشاع. غير أن إجراءً غير معتاد في مسلك الملف دفع الحزب الاشتراكي الى التشكيك في مسار التحقيقات الجارية، وتحديداً جزئية إحالة ملف التحقيق إلى قاضي تحقيق غير مناوب في العطلة القضائية. فقد ادعى القاضي غانم على ١٣ اشتراكياً بجنح وجنايات التحريض على القتل والقتل العمد تبعاً للمادة ٥٤٩/٢٠١ من قانون العقوبات التي تصل عقوبتها إلى ​الإعدام​، فيما ادعى على ٨ أشخاص من جانب ​الحزب الديمقراطي اللبناني​ بارتكاب جرائم الجنح تبلغ عقوبة السجن القصوى فيها ستة أشهر. صدر الادعاء بتاريخ ٢٩ تموز، ليُحال الملف على قاضي التحقيق العسكري الاول فادي صوّان. بقي الملف في عهدة القاضي صوان أربعة أيام قبل أن يُحيله على قاضي التحقيق العسكري مارسيل باسيل. في الشكل، وبعد تسلّم قاضي التحقيق العسكري الأول قضية ما، فإنه إما أن يُبقي الملف لديه أو يُحيله على قاضي مناوب لتولي التحقيق فيه. وهنا ما أثار ريبة الاشتراكيين، إذ إنّ صوّان استبقى الملف لديه لأيام من دون أن ينظر فيه ثم أحاله إلى قاضٍ غير مناوب استدعاه من عطلته القضائية، عوضاً عن إحالته الى القاضي المناوب، وهو في هذه الحالة، ندى الأسمر.

الحزب التقدمي الاشتراكي بصدد عقد ​مؤتمر​ صحافي نهار الثلاثاء لكشف معلومات يقول إنها توضح الضغوط التي مورست على قضاة المحكمة العسكرية وحرفت وجهة التحقيق. وذكرت المصادر أن الحزب الاشتراكي سيُطالب بتنحّي القاضي مارسيل باسيل الذي يتولّى التحقيق في الملف، للارتياب المشروع منه!

تجدر الإشارة إلى أن الادعاء القائم ليس نهائياً، لكون مسؤولية توصيف الجرم تقع على عاتق قاضي التحقيق الذي بوسعه إصدار استنابة جديدة لأي جهاز للتوسع في التحقيق.

وبالعودة الى التحقيقات، فإن الثابت فيها بحسب المصادر المطلعة، أن استنتاجات محققي ​فرع المعلومات​ لا تثبت وجود كمين محضّر سلفاً. كما بيّنت إفادات الموقوفين والشهود وتحليل مسرح الجريمة أنه لا وجود لمحاولة اغتيال الوزير ​صالح الغريب​. وأنّ مرافقي الوزير الغريب هم من بدأوا ب​إطلاق النار​ في الهواء، بهدف فتح الطريق أمام الموكب. لقد خلصت تحقيقات فرع المعلومات التي باتت في عهدة ​القضاء العسكري​ إلى أن سبعة أشخاص من أصل ١٣ مدعى عليهم من جانب الحزب الاشتراكي أطلقوا النار باتجاه موكب الوزير الغريب (أوقف أربعة منهم). كما أظهرت التحقيقات أنّ عشرة من مرافقي الوزير الغريب أطلقوا النار من داخل السيارات وأثناء وجودهم على الأرض (ادّعي على ثمانية منهم وتوفي اثنان). وبحسب المعلومات، فقد استندت التحقيقات إلى الأدلة التقنية بشكل أساسي، لكون الذين استمع المحققون إلى إفاداتهم ينتمون إلى جهة واحدة هي الحزب التقدمي الاشتراكي، سواء الموقوفون الأربعة أو عدد كبير من الشهود، علماً بأن شاهداً واحداً حضر من الجهة المقابلة وهو سائق السيارة الذي توفي فيها أحد مرافقي الوزير الغريب، لكون الحزب الديمقراطي اللبناني امتنع عن إرسال أحد حتى بصفة شاهد.

وتضمن التحقيق فيديو مصوراً مدته أربعون دقيقة، جُمِع من كاميرات المراقبة وهواتف الشهود الذين كانوا موجودين في ساحة الحادثة. وفي الفيديو، بين الدقيقة السادسة والثلاثين والتاسعة والثلاثين تظهر لحظة إصابة سامو غصن وسقوطه أرضاً، علماً أن الأخير يرقد اليوم في غرفة العناية الفائقة في وضع صحي صعب. وبحسب صورة الأشعة التي تكشف الرصاصة التي دخلت رأسه، يرجّح معنيون بالملف أن تكون الرصاصة قد اصطدمت بجسم صلب، ما أدى إلى انحراف وجهتها نحو رأس الجريح الاشتراكي.

أما بالنسبة إلى الموقوفين الأربعة (ح. م، وخ. غ، و.ف ع، وف. غ.)، فتعتبر المصادر المطلعة على التحقيق أن بينهم مشتبهاً فيهم رئيسيين في ارتكاب جريمة القتل. وعلمت «الأخبار» أنّ اثنين منهما ذكرا خلال التحقيقات أنهما كانا يطلقان النار بشكل مباشر على مرافقي الوزير الغريب الذين كانوا يُطلقون النار بدورهم عليهم. كذلك ذكر أحدهم أنه أطلق النار عدة مرات على أحد الضحايا بشكل مباشر.

كذلك تضمنت التحقيقات تسجيلات صوتية أُرسلت عبر تطبيق ​الواتساب​ لثلاثة من المدّعى عليهم، وهو ما وضعه القاضي غانم في ادعائه في خانة التحريض.