لم يكن يحتاج رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ إلى دوافع كي يفعّل حركته الداخلية ويزخّم نشاطه السياسي. الامر لا يتعلق بالترشح لاحقا الى انتخابات ​رئاسة الجمهورية​، رغم ان هناك من يرصد مؤشرات ترفع من حظوظ فرنجية في هذا الشأن، بل من رغبة زعيم "المردة" بالتوسّع.

من يراقب حراك فرنجية يعرف أن "سليمان بك" يتحرّك في أكثر من إتجاه على قاعدة إستحضرها في كلامه: "التاريخ هو المعلم الأكبر للأفراد والأمم". قصد فيها فرنجية القول: يجب الاّ يتكرر ما حصل في لبنان. لا يجوز السماح بأخذ البلد الى رهانات خاصة. المفروض تعزيز لغة الحوار والتلاقي، لا لغة التخويف والتباعد.

اذا كان فرنجية يشير بإيحاءاته الى مواقف رئيس التيار "الوطني الحر" وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​، فإنّ "سليمان بك" ينجح تدريجياً في كسب رأي عام لبناني واسع، وخصوصا في اجواء المسلمين الساخطين ضمناً على خطاب باسيل. لكن ماذا عن "حقوق المسيحيين" التي يرفعها باسيل عنواناً لخطابه؟ يوحي حراك فرنجيّة أنّ الواجب يقضي من الزعماء المسيحيين العمل على تعزيز حضور المسيحيين في الدولة اللبنانيّة لا تخويفهم من الآخرين وإعادة عقارب الساعة الى الوراء. يقدّم زعيم "المردة" عنوان الحوار بين المكوّنات كسبيل للحل، فهو مؤمن به للوصول الى نتيجة توافقية بين القوى السياسية، وهو بذلك يلتقي مع ما يطرحه رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ الذي يرفض "لغة التصادم" بين المكونّات اللبنانية. فلا يمكن تحصيل الحقوق بالسجال والجدل الطائفي، ويتمّ الإستناد بذلك الى محطة تعزيز الحضور المسيحي في مديرية قوى الأمن الداخلي، من خلال تفاهم بنّاء، جرى بين القوى السياسية المعنيّة.

يقول حلفاء لفرنجية أن "رئيس ​تيار المردة​ يحكّم العقل بظروف حالية صعبة، فليست الأولوية عنده اليوم لمعركة انتخابات رئاسة الجمهورية، بل لمواجهة أزمات سياسية وطائفية وإقتصادية ومعيشية متلاحقة". لكن ذلك لا يُلغي معادلة ان فرنجية هو مرشّح طبيعي لرئاسة الجمهورية، وهو أحد الشخصيات الأربع التي قدّمها لقاء بكركي سابقاً في هذا السياق. فهل يريد فرنجية أن يكرّس وجوده عامل طمأنة للمسلمين والمسيحيين؟ تُظهر إجتماعاته مع ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​ بأنهما يرتبطان بعلاقة ودّية قويّة تسمح بالتأكيد أنّ بكركي ترتاح لزعيم "المردة". واذا كانت البطريركيّة المارونيّة ليست طرفاً بين القوى السياسية، فإنّ طبيعة العلاقة بين فرنجية والراعي تزيد من إطمئنان المسيحيين لمسيرة رئيس "المردة".

يريد فرنجية الآن من خلال حراكه ان يسمع من القطاعات والمواطنين ما هي الهواجس والأولويات؟.

لذلك، جال "سليمان بك" على الصناعيين والمحامين والإقتصاديين والزعامات الروحية. فهو اراد ان يعرف من الصناعيين ماذا يريدون، وما هي مشاكل الصناعة؟ ومن نقابة المحامين معرفة رأيهم القانوني والتشريعي ومقاربتهم لملف القضاء والعدالة. ومن المجلس الإقتصادي الإجتماعي الإطّلاع على كامل دورة الإقتصاد في البلد. كما توسّع مع الرهبنة اللبنانيّة المارونيّة ودار الفتوى في نقاشات بشأن هواجس مكوّنات لبنان وسبل التقارب فيما بينها.

سيستكمل فرنجية حراكه لتعزيز برنامجه السياسي حاضراً ومستقبلاً، من دون إستخدام المنابر التي ترفع الصوت من دون حصد نتائج عملية. سبق وأن دفع فرنجية دماَ في زمن الحرب والإشتباك الداخلي. فهو لا يريد لتلك المرحلة أن تعود مجدداً. علماً أنّه لم يبدّل خياراته السياسية الإستراتيجية.

بالمحصّلة، يخطو فرنجية بخطوات منتجة، وبهدوء بنّاء، وبدعم سياسي، لأن لا مشاكل لديه مع أي فريق بإستثناء التيار "الوطني الحر"، لكنه بالمقابل نجح في دوزنة العلاقة مع "القوات" بعد المصالحة مع رئيسها سمير جعجع وطيّ صفحة الماضي الأليم، ويحافظ على علاقات ودّية مع "الكتائب" والحزب "التقدمي الإشتراكي" والحزب "الديمقراطي" و"الثنائي الشيعي" وتيار "المستقبل"، مما يؤكد أنه لا يواجه مشكلة في هذا السياق. عدا عن انّ علاقاته مع العواصم الخارجيّة جيدة من دون رصد اي تأزم لا مع الأميركيين ولا الروس ولا الايرانيين ولا الأوروبيين ولا الخليجيين ولا السوريين. كل سفراء وموفدي تلك الدول يزورون بنشعي بإنتظام.