لم يحصد رئيس ​الحكومة الإسرائيلية​ ​بنيامين نتانياهو​ أيّ نتائج إيجابية من "إتفاق الدفاع" بين تل ابيب وواشنطن. كان يظن فريقه أنّ الإتفاق هو إنجاز للحكومة سيستثمره في تحشيد الإسرائيليين خلال الإنتخابات، لأنّ الإتفاق سيطمئنهم أمنياً، بعد تزايد القلق الوجودي عندهم في منطقة متقلّبة، حيث يحيط بالإسرائيليين اعداء في كل إتجاه.

وسرّب فريق نتانياهو معلومات ان حملته الإنتخابية ستتركّز على هذا الإنجاز، على قاعدة أن رئيس الحكومة يستطيع ان يضمن بعلاقاته مع الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ حماية إسرائيل من اي تهديد، إيراني او فلسطيني او لبناني. ويحاول فريقه تحضير كل الردود على معارضي هذا الاتفاق، من خلال التأكيد على ان الخطر الأمني هو ابرز هواجس الإسرائيليين الان، ولا يوجد اولويات اخرى تتفوق عليه.

لكن المعارضين بدأوا بالحديث عن "عبء إستراتيجي" على إسرائيل جرّاء هذه الخطوة المركّبة على قياس حملة نتانياهو الإنتخابيّة. فماذا يعني الإتفاق الأمني بين واشنطن وتل أبيب؟

منذ تحرك العصابات الصهيونيّة في أوائل القرن الماضي، كان التنسيق يجري بينهم وبين الدول الغربية، وخصوصا ​الولايات المتحدة الأميركية​ و​بريطانيا​. لكن طبيعة العلاقة الخاصة رسخها دايفيد بن غوريون بعد الإعلان عن دولة ​اسرائيل​ عام 1948، رغم وجود اصوات اميركية معارضة مؤثرة داخل الإدارة الأميركية آنذاك. ومن يومها صارت واشنطن الحليف الأساسي لإسرائيل، تدافع عنها، وتمنع المس بها في كل المحافل الدولية، وتُجهض أي مشروع لمحاربتها عسكريا وامنيا وسياسياً، وتزوّدها بالسلاح المتطور الذي يؤمّن لها البقاء في منطقة لا ترغب بها.

لا ينسحب أيّ نزاع سياسي أميركي داخلي بين الحزبين "الجمهوري" و "الديمقراطي" على مقاربة العلاقة مع تل ابيب، الاّ من باب السباق لنيل رضاها، وكسب دعم "اللوبي الصهيوني" في الولايات المتحدة الأميركية. لكن ذاك الدعم لا يصل الى حد التدخل البشري، بمعنى ان الأميركيين متّفقون مع الإسرائيليين على الدعم السياسي والمعنوي والمادي، لذلك يعتبر المعارضون الإسرائيليون لإتفاق الدفاع، بحسب كتاباتهم ومواقفهم الاعلامية "بأن اسرائيل منذ ان كانت دولة صغيرة وضعيفة، كان المبدأ ان تحمي نفسها بقواها الذاتية، وهو مبدأ اساسي للامن القومي لاسرائيل، اما اتفاق الدفاع بين اسرائيل والولايات المتحدة فسيضعضع هذا المبدأ، وكذلك بالذات الارتفاع المزعوم في درجة الشراكة من شأنه ان يكون بداية تحطمها".

لم يقتصر توصيف الخطوة عند هذا الحد، بل برأيهم فإن هذا الإتفاق "سيُصبح عبئاً إستراتيجياً"، لأن تل ابيب ستكون مكبّلة بمصالح الأميركيين، وبحساباتهم إزاء كل ملفات المنطقة، وتحديدا في حال حصلت اتفاقات او تسويات او حروب مع الإيرانيين والسوريين واللبنانيين. سيُلزم الإتفاق الإسرائيليين بالحصول على إذن أميركي قبل القيام بأيّ حراك او تصرف عسكري او سياسي. وقد يفرض الأميركيون حينها آراءهم التي تمنع تفرّد الإسرائيليين بأي مسار في الشرق الأوسط.

واذا كانت حجة فريق نتانياهو ان الإدارات الأميركية السابقة والحالية، تُطلق يد تل أبيب للتصرف بما يناسبها، فإن رد المعترضين: من يضمن طبيعة التعامل بعد سنوات؟ كما ان اتفاق الدفاع سيُلزم الإسرائيليين بالتدخل في اي حرب الى جانب الولايات المتحدة، وعلى هذا الاساس سيخوض معارضو نتانياهو حملتهم الإنتخابية ضده، تحت عنوان: لا نرغب بحروب اضافية ليست لنا ويكفينا ما لدينا.

بالمحصّلة، يستحضر الإسرائيليون كل أنواع الأسلحة في معركتهم الانتخابية. لم يسبق ان مرّت إسرائيل منذ اعلان دولتها بتخبط يشبه ما هو حاصل الان، وقدّ مسّ بطبيعة العلاقة مع الأميركيين التي تعتبرها كل دول العالم متلاصقة الى حد التماهي. لكن هناك اختلافاً الآن بشأن تفاصيلها ومقارباتها، خصوصا ان هناك من يعتبر ان واشنطن تميل لطرف ضد طرف إسرائيلي آخر، بعدما كانت تحيط الكلّ تحت عباءتها.