حينما تهتز الارض تحت قدميك وانت في وسط ​أثينا​، تنتابك اسئلة كثيرة ومشاعر متعددة وغريبة، تشعر وكأن آلهة جبل "اولبميوس" يتقاتلون للسيطرة على هيكل الجبل المقدس، أو كأن اثينا الهة الحكمة منزعجة من عدد السواح المرتفع والمرتفع جداً الذي يتمتع بشمس وهواء وآثار وطعام بلاد "الاسكندر الكبير"،من دون ان يقيم وزنا لحكمة فلاسفة الاغريق في عصر التستطيح والعجلة في كل شيىء...

تخرج من اثار الهزة مصدوماً بقدرة شعب متوسطي يستطيع التكيف مع غضب الطبيعة الذي انتج يوماً بلاد جميلة محاطة باكثر من الفي جزيرة هادئة في الشتاء ومكتظة في الصيف.شعب وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه اليه، تعلم بان الطريق الوحيدة لخلاصه هي المحافظة على ثوابت ثلاث ديمقراطية حقيقية تتقبل تبادل السلطة بهدوء وبمواعيدها الدستورية، المحافظة على جمال بلادهم والتوفيق شبه المستحيل بين الطبيعة والمتطلبات السياحية المكلفة،وبالتاكيد وطنية متجذرة عميقا على الرغم من كل الازمات الاقتصادية التي عرفتها ​الجمهورية​ الهيلينية.

تخرج من آثار الهزة الى المقارنة السلبية التي تسمعها عن ​اليونان​ من الساسة في ​لبنان​ عندما يحذرون من تكرار النموذج اليوناني، لتتذكر انه في اليونان لديهم دولة قوية وعميقة ،بينما لدينا شبه دولة لا بل دولة فاشلة، لديهم كهرباء لا تنقطع حتى عن اخر قرية في اصغر وابعد جزيرة، اما نحن فتكلفنا ​الكهرباء​ المنقطعة دوما ملياري ​دولار​ سنويا والحبل على الجرار، بالاضافة الى فاتورة بيئية وصحية مرتفعة نتحملها بفضل معامل الانتاج القديمة و​المولدات​ المنتشرة بين الاحياء، في اليونان وسائل نقل مشترك منظمة وحديثة تمكنك التنقل بسهولة في الباصات او المترو اوالقطار او الترام او المراكب، اما نحن المساكين فنحتفل وبكل فخر بالذكرى 125 لانطلاق قطار لم يعد موجودا ولم نستطع المحافظة عليه... هذا من دون ان نقارن بين قطاعات اخرى ك​التعليم الرسمي​ بكل فروعه ومراحله، او قطاع الاستشفاء الذي يدخل اليه اللبناني غنيا ويخرج منه معدما بينما هو مؤمن لكل من يحتاجه من اليونانيين...

ولعل الاهم من كل ذلك فان اهل تلك البلاد خرجوا نهائيا من التبعية العمياء لزعماء او لاشباه الزعماء المنتشرين بيننا كالفطر القاتل الى رحاب ديمقراطية حزبية حقيقية تقوم على محاسبة الاعمال لا التاثر بالكلام والوعود الكاذبة تطبيقا للقول اليوناني القديم:"الكلام الكثير دليل على ​الفقر​"...

تخرج من الهزة مدركا اكثر من اي وقت مضى انه هنالك خيط رفيع لا تراه يفصل ​الحياة​ عن الموت... وكل ما عدا ذلك باطل...