تظهر هذه الأيقونة والدة الإله تنظر إلينا وتحمل على إحدى يديها الرّبّ يسوع المسيح الذي يحمل بيده اليسرى رسالة ويبارك بيده اليمنى، والعذراء تشير بيدها الأخرى إليه. (اليمنى أو اليسرى بحسب وضعية الحمل).
شكل الأيقونة المرشدة مِن الأشكال الأساسيّة الأربعة لوالدة الإله مع الرب يسوع المسيح: (مِن الأقدم إلى الأحدث في التاريخ) الجالسة على العرش ويسوع في حضنها، عذراء الآية والمتضرّعة أي الفاتحة يديها تصلّي ويسوع في وسطها، العذراء المرشدة، والعذراء الرحومة التي تعانق الرب.
هذه الأيقونة قديمة جدًا، وُلِدت في بلادنا الأنطاكيّة، وقد ظهرت في القسطنطينيّة في عهد الإمبراطور يوستينيانوس (٤٨٣-٥٦٥م). وبحسب المؤرخين أرسلت الإمبراطورة افذوكيا Εὐδοξία الأيقونة مِن أورشليم إلى القسطنطينيّة، إلى زوجة شقيقتها بولشيريا Πουλχερία التي بنيت هناك دير الكليّة القداسة خصيصًا لها.
كما يذكر أن الأيقونة أُرِسلت إلى القدّيس ثيوفيلوس الأنطاكي (القرن الثاني ميلاديّ)، ومِن ثم تم نقلها لاحقًا إلى القسطنطينيّة إلى الدير الذي شيّدته بولشيريا.
ويحكى عن جدارية على الصخر لوالدة الإله المرشدة في اللد في فلسطين مِن أيام الرسل أنفسهم باركتها والدة الإله بنفسها، وقد حاول الإمبراطور يوليانوس الجاحد (٣٦١-٣٦٣) لاحقًا تدميرها بواسطة عمّال جلبوا أدوات حادة لذلك، لكن الجداريّة غاصت عجائبيًّا في الصخر وفشلوا. وبعد أن ذاع صيتها، تناقلت رسمة الجدارية بين المؤمنين ووصلت إلى روما. ويذكر التاريخ أن البطريرك جرمانوس في القرن الثامن طلب مِن رسام نسخها وأعاد رسمها في القسطنطينيّة. ونتيجة الحرب ضد الأيقونات أبعث برسالة إلى أسقف روما القدّيس غريغوريوس الكبير ورماها في البحر متضرّعًا إليها أن تصل روما، وعندما تلقى غريغوريوس الرسالة كانت الأيقونة قد وصلت روما بنهار واحد ظاهرةً له في حلم.
الشائع أن الأنجيلي لوقا رسمها وحصل على بركة والدة الإله شخصيًّا بعد أن ظهرت له.
مِن أهم مصادر هذا القول القارىء في القسطنطينيّة ثيودور (٥٣٠م) والقدّيس أندرواس الكريتي مِن مواليد دمشق (٧٦٧م)، والبطريرك جرمانوس (+٧٣٠م) في رسالة إلى قسطنطين Constantine Copronymus (+٧٧٥م)، ورسائل بطاركة الشرق الثلاثة إلى ثيوفيلوس (+٨٣٦) أبان الحرب ضد الأيقونات. وقد نجت الأيقونة في هذه الحرب إذ حفظت في دير الضابط الكل.
كما يذكر المؤرخون في دير والدة الإله الذي شيّده ميخائيل الثالث (٨٤٢-٨٦٧م)، وجود هذه الأيقونة في القسطنطينيّة في كنيسة الدير التي كُرّسِت على اسمها.
وقد قال القدّيس يوحنا الدمشقي: "لتصمت شفاه المنافقين الذين لا يسجدون لأيقونتك الموقرة، التي صورت من لوقا الانجيلي الكليّ الطهر والتي بها اهتدينا".
ويذكر كتاب الخدمة في القسطنطينيّة في القرن العاشر أن هذه الأيقونة عرفت تكريمًا كبيرًا بين السلطة الحاكمة عهد Les Paléologues، وكانت تزيّح بزياح مهيب في بداية شهر العذراء أي شهر آب. وهناك شهادة تأتي من إتيان النوفوغوردي (١٣٥٠م) عن استمرار هذا الزياح.
مصادر غربية تتكلم إنّها أُخذِت إلى الغرب أبان دخول الصليبيين المدينة (١٢٠٤م)، ومصادر غربية أخرى تقول إن ما شوهد في الغرب نسخة عنها أو أيقونات أخرى شبيهة لها.
وتتابع المصادر أنّها عادت وظهرت في عهد الإمبراطور ميخائيل في عام ١٢٦١م بعد تحرير القسطنطينيّة مِن الصليبيين حيث تم تزيحها بزيّاح كبير، حيث سار الإمبراطور خلفها سيرًا على الأقدام نازعًا عنه تاجه وصولجانه وقلادته.
يضاف إلى ذلك مصادر مِن القرن الخامس عشر (Ducas) تتكلم أنّها فقدت مع دخول الأتراك القسطنطينيّة في العام ١٤٥٣م إذ كانت محفوظة في دير CHORA.
كثرة الكلام عن هذه الأيقونة وأنّها سلمت وحفظت في منطقة الفنار، وتعدد الروايات حولها واختلافها، ووجود أكثر مِن نسخة عنها، تظهر أهميّتها الكبيرة.
العذراء الهاديّة هي الأكثر انتشارًا بين أيقونات والدة الإله، وكانت ملهمة لكثير مِن الأيقونات الوالديّة، أمثال أيقونة "خلاص الشعب الرومي Salus Populi Romani" التي يرجّح أن تكون رُسمت بين القرن الخامس والسابع ميلادي، والمحفوظة في بازيليك القدّيسة مريم -ماجوري في روما Santa Maria Maggiore.
تَكشف التنقيبات الأثريّة والاكتشافات أن هذا الشكل لوالدة الإله كان منتشرًا بقوْة قديمًا. فالنقوش على القلادات من القرن السلادس ميلاديّ إلى التاسع ميلاديّ تظهر والدة الإله بأشكال مختلفة بين واقفة ونصفيّة، وهي طبعًا حاملة الرب يسوع المسيح على ذراعيها وتشير إليه.
وإذا رجعنا إلى الجداريّات في دياميس روما والتي تعود إلى القرون الثلاثة الأولى لوجدنا تطابقًا كبيرًا مع جداريّة سجود المجوس للرب، وقد تكون هذه الجداريّة الملهمة الأولى، عندها يصبح والدة الإله الجالسة وفي حضنها الرب الشكل الأقدم حتّى اليوم.
خلاصة
واقفة بالكامل أو جالسة أو نصفيّة، والأخيرة هي الأكثر انتشارًا والموجودة بالإجمال على الإيقونسطاس في الكنائس الأرثوذكسيّة، إلّا أن ما نراه يرمز إلى إلهنا الذي ارتضى أن يدخل عالمنا ويتجسّد مِن امرأة طاهرة متواضعة مثال لتأله الإنسان.
